جان عبيد: المرشّح الصامت لكل العهود

مع كل استحقاق رئاسي منذ العام 82، كان اسمه يطرح كمرشح توافقي لرئاسة الجمهوية، حتى بات ينطبق عليه تسمية «المرشح الصامت»، او «المرشح الذي يرشحه الاخرون»، انه جان بدوي عبيد، ماروني لبناني وقومي عربي، ولد في علما قضاء زغرتا، شمال لبنان عام 1939.

«المرشح الدائم للرئاسة»، لم يعمد ولو لمرة واحدة إلى إعلان نفسه مرشحاً للمنصب، وإن كان نقل عنه قوله: «أريد أن أنال مرتبة الرئيس لا مرتبة المرشح»، ورغم أن خصومه يأخذون عليه أنه كان صديقاً متميزاً لسوريا أيام كانت الناخب الأول والأقوى للرئيس اللبناني، فإن عبيد لم يحظ ولا مرة واحدة خلال 29 سنة من الوجود السوري في لبنان بلقب «فخامة الرئيس»، علماً ان اسمه كان حاضراً في بورصة الاسماء المخولة الجلوس على كرسي الرئاسة.
صحافي وخطيب ومتحدث لبق وديبلوماسي، أوصاف كثيرة رافقت مسيرة عبيد في عالم السياسة، الا ان إقلاله من التصريحات والإطلالات الإعلامية، وانكفاءه جزئياً عن عالم السياسة المنقسم بين معسكري 8 و14 آذار، جعلا منه مرشحاً صامتاً للرئاسة التي تشغل لبنان والعالم.
فهو الذي «يفضل الرئاسة بكرامة، وإلا فإنه يفضل أن يبقى محتفظاً بالكرامة من دون الرئاسة»، بحسب ما ينقل عنه أصدقاؤه تعليقاً على سلبية بعض الجهات ازاء ترشحه، فكان له نتيجة مواقفه المشابهة صداقات واسعة، لدى المقربين من زعماء الأطراف إلى درجة أن بعضهم يقول أن هناك حزباً اسمه حزب جان عبيد.
مع الخروج السوري من لبنان عام 2005، واشتداد الأزمة الرئاسية ايام ولاية الرئيس اميل لحود، عاد اسم عبيد ليطرح وبقوة كمرشح توافقي، لكنه لم يرد في لائحة البطريرك الماروني نصر الله صفير، آنذاك. ورغم اختياره الصمت والابتعاد من الأضواء في أي نشاطات يقوم بها لتقديم نفسه مرشحاً توافقياً، إلا أن وقوفه خارج معسكري 8 و14 آذار كان الحجة الأبرز لمن يطرحه اسماً وسطياً.
وعندما بدأ بتشييد قصره في جبل تربل المطل على مدينتي طرابلس وزغرتا وعلى مخيم البارد والبداوي، قالوا في الشمال، «ان جان عبيد يحضر القصر الرئاسي الصيفي لصيف 88»، وعندما خطف جان عبيد في 12 شباط 1987 في بيروت الغربية، وافرج عنه بعد تدخل سوري على اعلى المستويات قيل وقتها «ان عبيد هو المرشح المدعوم سورياً في الانتخابات المقبلة».
منذ نشأته في طرابلس كان لعبيد صداقات متينة مع عدد القياديين في سوريا ومنظمة التحرير والعراق، له صداقة مع عدد من قادة سوريا تعود الى اوائل الستينات۔ وهو صديق البعث و«القوميين العرب» و«الكتائب» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» ۔ لانه «يؤمن بالحوار والاقناع ويرفض العنف والحرب».
في عهد الرئيس السوري بشار الأسد شهد بداية الخلاف السوري مع عبيد، لسببين كلاهما نابع من حرصه على مصلحة سوريا، الأول، رفضه التمديد للرئيس لحود وتحذيره السوريين من تداعيات التمديد والقرار 1559، والثاني انتقاده حملات التهجم على الرئيس الفرنسي جاك شيراك التي شنها حلفاء سوريا في لبنان، لأنه وبحسب عبيد، «شيراك كان في مقدم الرؤساء الغربيين الذين زاروا سوريا ورعوا تسلم بشار الأسد الرئاسة، لذلك فإن الخلاف معه لا يجوز».
السببان افرزا غضباً سورياً على عبيد، يضاف إليهما الحديث عن خلافات بينه وبين الرئيس لحود الذي كان يشكوه إلى دمشق، وهو ما أكده خدام في مقابلة مع «العربية» بعد انشقاقه عن النظام السوري.
يسجل مناصرو عبيد له أنه كان يطرح أفكاره من دمشق بعقلانية وصوت عال، إضافة إلى دوره في تعديل مشروع القرار 1559 في صيغته الأولى. وهنا يحسب له حسن استغلاله لمنصب وزير الخارجية لتعديل القرار الذي كان يطالب «بانسحاب القوات السورية من لبنان من دون تأخير»، وأثمرت جهوده عن شطب كلمة «سورية» من الصيغة المعدلة، ليطالب القرار بـ»سحب جميع القوات الأجنبية من لبنان من دون تأخير».
حظي عبيد باحترام مسؤولين سعوديين وخليجيين بارزين، وربما ساعده في ذلك انه حجة في معرفة الشعر العربي وحفظه، إضافة إلى تبحره في التراث والدين الإسلامي وحفظه القرآن.
رجل المهمات الصعبة
خلال الحرب الأهلية، لعب عبيد دور الوسيط بين اكثر من طرف: بين سوريا واللبنانيين، وبين الفلسطينيين واللبنانيين، كذلك بين اللبنانيين أنفسهم. شارك في مؤتمر جنيف لحل الصراع الداخلي اللبناني وإنهاء الحرب.
إثر اغتيال الرئيس رينيه معوض بعد اتفاق الطائف، اعتقد الجميع أن عبيد هو الرئيس البديل، خصوصاً أن نائب الرئيس السوري آنذاك عبد الحليم خدام اتصل برفيق الحريري في باريس متمنياً عليه إحضار عبيد إلى دمشق بسرعة، لكن الياس الهراوي صار هو الرئيس، وعين عبيد نائباً عاماً 1991 وانتخب في الدورات اللاحقة حتى عام 2000، ثم عيّن وزيراً للتربية عام 1996 في حكومة الرئيس الحريري خلال عهد الهراوي.
ومع اقتراب نهاية ولاية الهراوي، قيل إن الرئيس الحريري طرح اسم عبيد للرئاسة، لمنع وصول لحود إلى السلطة عام 1998، الا أن أمنية الحريري لم تتحقق، وعين عبيد عام 2003 وزيراً للخارجية في حكومة الرئيس الحريري خلال عهد لحود، ما اتاح له بناء علاقات عربية واسعة.
في الانتخابات النيابية عام 2005، لم يترشح بسبب انقسام البلد بين فريقي 8 و14 آذار، وشهدت الفترة نفسها توتر العلاقة بينه وبين الوزير السابق سليمان فرنجية.
اشتهر عبيد بقدرته على التوفيق بين أكثر من فريق، وكان مقرباً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن السوريين في الوقت نفسه، خصوصاً أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد.
كان عبيد احد مستشاري الرئيس الراحل الياس سركيس الذي اوفده الى سوريا والدول العربية حاملا رسائل ومقترحات لحل الازمة اللبنانية، وجاء الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 ليبدل في ميزان القوى في الساحة اللبنانية، فكان دعم الرئيس سركيس لفكرة ترشيح الشيخ بشير الجميل لرئاسة الجمهورية اثر على العلاقة بين عبيد وسركيس، وكان خلاف حول الخيارات التي اعقبت الاجتياح الاسرائيلي، ويروى ان الشيخ بشير الجميل حال دون توزير عبيد في عهد الرئيس سركيس لاعتبارات كثيرة.
ومع بداية العهد الجديد عين رئيس الجمهورية الشيخ امين الجميل عبيد مستشارا له خصوصا في الشؤون السورية والعربية، واوفده في العام 1983 الى سوريا وتونس للقاء المسؤولين السوريين وفي منظمة التحرير الفلسطينية والتشاور معهم في المفاوضات اللبنانية – الاسرائيلية، ليؤكد لهم التمسك بانتماء لبنان الى محيطه العربي، ويحاول اقناع المسؤولين في دمشق بضرورة نشر الجيش اللبناني في اماكن النفوذ السوري، وبضرورة الغاء العمل العسكري الفلسسطيني في لبنان، الا ان شهر العسل بين الجميل وعبيد لم يدم وبدأ التباين في الاراء بين الرئيس ومستشاره حول الموقف من اتفاق 17 ايار خلال مراحل المفاوضات اللبنانية – الاسرائيلية – الاميركية في ظل موقف سوري رافض للسير في اتفاق 17 ايار، الا أن الرفض الشعبي وتجدد الاقتتال الداخلي، دفعا الجميل إلى مطالبة عبيد بالعودة والمشاركة في مفاوضات إلغاء الاتفاق، فصاغ عبيد بيان الإلغاء.
وبعد الغاء الاتفاق توجه عبيد الى سوريا موفدا من الرئيس الجميل قبل انعقاد مؤتمري جنيف ولوزان اللذين، اسفرا عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة رشيد كرامي في نيسان 1984 وتوقف منذ ذلك الوقت التعاون بين الرئيس الجميل ومستشاره.
دخل عالم الصحافة رئيساً لتحرير مجلة»الصياد»، وغادره عام 1968. تنقل عبيد بين مناصب عدة، متزوج من لبنى البستاني ابنة قائد الجيش السابق اميل البستاني ولهما خمسة أولاد. والده بدوي كان مقرباً من حميد فرنجية وزير خارجية الاستقلال ووالد النائب الحالي سمير فرنجية وشقيق الرئيس السابق سليمان فرنجية.

السابق
تدابير سير لسباق النصف ماراتون السنوي السابع
التالي
امسية موسيقية في مركز جابر في النبطية