لرئيس نموذجي في لبنان

تواجه الحكومة الائتلافية اللبنانية برئاسة تمام سلام، بعد أكثر من عشرة أشهر على تشكُّلها، جدول أعمال يتضمّن انتخاب رئيس جديد، وبصورة أكثر إلحاحاً، التعاطي مع ملف اللاجئين السوريين في لبنان، وهم الذين وصل عددهم إلى المليون، فضلاً عن العديد من المسائل الاجتماعية والاقتصادية العالقة جرّاء الخلل السابق في عمل السلطتَين التنفيذية والتشريعية في البلاد.

بعدما استأنف المجلس النيابي والسلطة التنفيذية عملهما، أثارت بعض المسائل مواجهات اجتماعية وطبقية غير مسبوقة، كارتفاع الأسعار وحقوق العمّال وتدنّي الأجور والسكن والأمن الغذائي والصحة والاضطرابات الديموغرافية. كذلك تشهد البلاد تظاهرات تنفّذها نقابات العمال والمعلّمين احتجاجاً على «المكاسب المفرطة» التي تحقّقها «النخبة الثرية». صحيح أن هذه المسائل ملحّة، لكن بالإمكان وضعها على لائحة الانتظار حتى انتخاب رئيس جديد.
في غضون ذلك، يجب إعطاء الأولوية لمعالجة تدفّق اللاجئين السوريين. وقد سبق لسفير لبنان لدى الولايات المتحدة، أنطوان شديد، أن صرّح في كلمة ألقاها أمام «معهد بروكينغز» في شباط الماضي أن «حجم المساعدات القيّمة لم يعد يهمّنا كثيراً، بل ما يهمّنا حقاً هو أن أزمة اللاجئين السوريين الفعلية تحوّلت بوضوح إلى مشكلة وجودية بالنسبة إلى لبنان».
لا يمكن إيجاد حل موثوق لقضية اللاجئين في لبنان والأردن من دون التوصّل إلى تسوية جدّية وجذرية للحرب الأهلية في سوريا. وبعد فشل مؤتمر جنيف 2 وانعدام الآمال بانعقاد مؤتمر جنيف 3 في المدى المنظور، من الضروري أن تعمد المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى توسيع نطاق خدماتها، وكذلك أن يزيد المجتمع الدولي مساعداته المالية.
لقد أخفقت جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي في ممارسة الضغوط اللازمة للتعجيل في تسوية النزاع السوري. لكن وفيما لم يكن متوقَّعاً من الجامعة العربية المساهمة في التوصل إلى تسوية (برغم المحاولات التي بذلتها في البداية)، تستمر القوى العالمية في تجاهل الأزمة الملحّة التي يتسبّب بها تدفّق اللاجئين السوريين إلى لبنان والأردن، إضافة إلى النزوح الداخلي المأساوي لما يزيد عن تسعة ملايين سوري.
يأمل اللبنانيون بوصول رئيس جديد يوحي بالثقة ويحظى باحترام المجتمعَين العربي والدولي. هذه الخصائص ضرورية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية بين اللبنانيين، ووضع رؤية راسخة لتسوية النزاعات الاجتماعية والاقتصادية، وتمهيد الطريق أمام قيام نظام سياسي علماني وغير طائفي. كما أن الهدف هو تمكين النساء – ليس على سبيل التنازل إنما باعتباره مقتضى أساسياً – لتعزيز مشاركتهن في السياسة وصنع القرارات.
يمكن أن تشكّل فرصة انتخاب رئيس جديد للبلاد محطةً تساعد لبنان على سلوك طريق المعافاة من أزماته، كما يمكن أن تساهم في التوصّل إلى تسوية سلمية للنزاع السوري المأساوي، وفي حصول الفلسطينيين على حق تقرير مصيرهم.
يستطيع لبنان، فيما يتخبّط وسط كل هذه التعقيدات الداخلية والإقليمية الناشئة، أن يساهم في تحقيق الكثير من وعود «الربيع العربي» التي لم تثمر بعد.

 

السابق
لماذا يخاف حزب الله من سمير جعجع؟
التالي
العثور على عبوة بين طريق المرفأ ومستديرة أبو علي في طرابلس