في البحث عن رئيس

من المستحب ان ينعقد مجلس النواب لاختيار رئيس جديد للجمهورية، من دون ان يكون لدى اعضائه اسم مفروض، ملزم. لكنه ليس من المطمئن ان يظل هذا الاسم مجهولا اكثر من شهر واحد.

الجلسة الانتخابية الاولى للبرلمان مفيدة ومسلية في آن. لبنان يبحث عن رئيسه المقبل، ولا يجده بسهولة. معركة ديموقراطية فعلية. لعلها الوحيدة التي يشهدها الوسط السياسي اللبناني، ما عداها ليس سوى معارك نقابية، كانت القوى السياسية ولا تزال تخوضها باساليب وشعارات وادوات حزبية-طائفية، وكانت ولا تزال تشكل اختبارا لالتزام اللبنانيين بصناديق الاقتراع واحترامهم لنتائجها، بقدر ما تمثل معيارا دقيقا، الى حد بعيد، للمزاج الشعبي.
لا تختلف المعركة الرئاسية التي تفتح رسميا الاربعاء عن اي معركة نقابية. فالرئيس صار في الدستور الراهن، والظالم للرئاسة الاولى، مثله مثل اي نقيب. تنتخبه قوى وشخصيات سياسية، ليؤدي مهاما تكاد تكون إدارية، اهمها اصلاح ذات البين،واداء دور الحكم والوسيط النزيه.. فضلا عن الاحتفاظ بموقع الرمز للجمهورية التي كانت وستبقى متميزة بهويتها العامة اللادينية، برغم الاختراقات التي حققها الاسلاميون السنة والشيعة في الاونة الاخيرة على مستوى المس بالطابع المدني للدولة وقوانينها. قانون العنف ضد المرأة نموذجا.
عندما تفتتح المعركة، ُتعلن نهاية المحاولة -المستحيلة اصلا – التي قامت بها الطائفة المارونية وحدها للتفاهم على مرشح واحد او اثنين على الاكثر، على غرار ما تفعل بقية الطوائف عندما تستدعى لتقديم احد رموزها لملء مقعد رسمي شاغر. سعت مؤسسات الطائفة الدينية والسياسية، ومن دون جدوى، الى تقليص لائحة المرشحين، والحؤول دون ان يكون للطوائف الاخرى الصوت الحاسم في اختيار ممثل الموارنة في رأس الهرم التنفيذي. كان يعتقد، بل كان يؤمل، ان يكون لدى بكركي والفاتيكان هذه المرة بالتحديد، مرشحهما، طالما ان سوريا ليست ناخبا رئيسيا يمتلك حق النقض كما في المرات التي امتدت من العام 1976 حتى العام 2005. لكن الفرصة ضاعت.
من الان فصاعدا، باتت الطوائف الاخرى هي التي تختار وهي التي تحسم اسم الرئيس المقبل. وصار المرشحون محكومين بالتودد الى نواب تلك الطوائف اكثر من التقرب من طائفتهم والتعهد لجمهورها بانهم سيحمون مصالحها وحصصها في الدولة. وهي مفارقة أخف من بقية مفارقات الديموقراطية اللبنانية الفريدة، اذا ما قيست بالحملات والوعود التي يطلقها اي مرشح لاي منصب غير ماروني.. واذا ما حسمت منها مظاهر ومصطلحات النفاق الوطني العام.
لم تعد المعركة مارونية، طالما ان الطائفة عجزت عن تشطيب الاسماء، والابقاء على الاصلح والانسب. تركت المهمة لغيرها، من دون ان يعني ذلك بالضرورة ان الصراع على الرئاسة سيظل ديموقراطيا، “حضاريا”،كما هو الان، في الوسط الماروني خاصة والمسيحي عموما. ليس من المستبعد ان تجري بعض عمليات التشويه المتبادلة بين المتنافسين الاقوياء. وثمة مؤشرات على ان هذا الخيار بدأ بالفعل.
وظيفة الجلسة النيابية الاولى الشروع في التشطيب. وهي لن تكون سهلة ابداً، برغم ان ثمة اعتقاداً عاما بان البرلمان سينجح في اقناع المتنافسين الرئيسيين ميشال عون وسمير جعجع بانهما ليسا مرشحين توافقيين ولن يكونا ابداً.. وبان ترشيحهما معا ليس سوى ورطة لحلفاء كل منهما ، وفرصة للجميع للبحث عن البديل الثالث من لائحة اسماء معروفة ومحددة منذ ما قبل فتح باب الترشيحات والتصفيات النهائية.. لكنها وظيفة جليلة ان يتم اجبار عون على نسيان فرصته الاخيرة في المنصب الذي حلم به منذ ان كان ضابطا،وان يتم إكراه جعجع على تأجيل فرصته الاولى في المنصب الذي حلم به منذ ان كان مقاتلا.
لكنه طريق إلزامي الى الرئاسة، يعتمد الان على إختبار الثقة بالبرلمان وحكمته. والتجربة لا توحي بالأمان والاطمئنان ابدا. من داخله ستصدر قريبا جدا التوسلات الى الخارج لكي يتخلى عن صمته المريب، وينطق بالاسم الذي يمنع فراغ قصر بعبدا.. سواء لسنتين او ثلاث او ست سنوات.
السابق
ريما وستريدا المرشحتان الأبرز لمنصب السيدة الأولى
التالي
خطف طفل سوري في كفرجوز ثم إطلاقه