انتخابات الأسد ليست ’لامهزلة ولا مثيرة للسخرية’

ثمة تاريخ لم يُكتب بعد في المنطقة العربية. تاريخ يرتبط بالعلاقة الوثيقة، والغريبة، بين علم النفس وبين السياسة.

عما نتحدث هنا؟.
عن الأوضاع النفسية لبعض أصحاب القرار، والتي تلعب دوراً حاسماً في رسم السياسات في دولهم، خاصة إذا ماكانت هذه الأخيرة سلطوية، أو أوتوقرطية (حكم الفرد المستبد)، أو ديكتاتورية.
السمتان الأساسيتان لهذه الحالات النفسية هما: السايكوباث (Psychopath)  وجنون العظمة
 (Megalomania).
السايكوباث، تعريفاً، هو الشخص المُضطّرب عقليا، ذو الشخصية غير الاجتماعية التي تتسم بالعنف والسلوك الإجرامي، والذي يبدو وكأنه يحظى بشخصية طبيعية في المجتمع. يتمتع السايكوباث باخضاع الآخرين بالقوة والعنف أو بممارسة القتل، ولايشعر بأي شعور بالذنب، أو العيب، أو تأنيب الضمير لما يفعله للآخرين. لا بل هو يُبرر جرائمه بانحاء اللائمة على ضحاياه، سواء أكانوا أفراداً أو حتى جماعات وشعوباً، ولايتوانى عن ممارسة الكذب باستمرار.
ويوضح الباحث في علم النفس روبرت هير أن السايكوباث له صورة مشوّهة عن الواقع، ولايحسب مضاعفات أعماله لا على الآخرين ولا على نفسه. أي أنه غير قادر على إدراك مخاطر أعماله. ولذلك، هو أقرب ما يكون إلى “الوحوش المُتعضة”، أي التي تعيش على افتراس غيرها.
المصاب بجنون العظمة هو سايكوباث بدوره، لكن “الأنا” لديه تتضخم إلى درجة أنه يختصر في شخصه الشعب والأمة وحتى الكون برمته. إنه متألّه يعبد نفسه، ويريد من المواطنين أن يعبدوه على هذا الأساس.
ويُفسّر الفيلسوف برتراند راسل ظاهرة الميغالومانيا كالتالي:” يختلف الشخص المصاب بمرض العظمة عن الشخص النرجسي( الذي يعبد ذاته) بأنه يرغب بأن يكون قوياً لا فاتنا. وهو يسعى لأن يخاف منه الناس لا أن يحبوه. ولهذه الفئة ينتمي المجانين والعديد من الرجال العظام في التاريخ”.
الاسكندر الأكبر وهتلر وموسوليني وستالين وبول بوت (كمبوديا) وصدام حسين ، كانوا سايكوباث وميغالومانيا في آن. ممارساتهم الجنونية أدت إلى إبادة الملايين من دون أن يرف لهم جفن. وهم تمكنوا من اقتراف جرائمهم لأنهم كانوا يتسيّدون على أنظمة لاديموقراطية لاقانون فيها يردعهم، ولا شعب يُسائلهم، ولا محكمة تلاحقهم.
المنطقة العربية قبل ثورتي الياسمين والنيل كانت مرتعاً خصباً لهذه الأمراض النفسية- السياسية. ولذا أفرزت طيلة العقود الخمسة الماضية ما شهدنا من قمع واضطهاد، وقتل وتشريد، وسرقات ونهب، بقيادة “فراعنة” لايقبلون بأقل من جبل الأولمبوس، حيث تقطن آلهة الأغريق، مقراً لعروش سلطتهم.
– II –
سورية تعاني الآن من مضاعفات هذه الأمراض النفسية- السياسية على كل الصعد. فـ”رئيس البلاد” بشار الأسد يريد الآن من مواطنيه التصويت لتجديد ولايته في حزيران/يونيو المقبل للمرة الرابعة، بعد أن “اصطياد” منهم 150 ألف قتيل وأكثر من مليون جريح، وشرد 7 ملايين، ودمَّر 80 في المئة من البلاد. وهو بالطبع واثق من الفوز.
لقد ارتكب قادة المعارضة، من أحمد الجربا إلى جورج صبرا، خطأ فادحاً حين أطلقوا على هذه الانتخابات نعت “المهزلة” أو “القرار المثير للسخرية”. الأمر أخطر من ذلك بكثير. فما نحن بصدده في سورية لم يعد لاشأناً سياسياً، ولاصراعاً على السلطة، ولانزاعاً بين الدول الإقليمية والدولية على أرض الشام، ولاحتى حروباً بين الهويات الطائفية والمذهبية القاتلة. إنه بات حدثاً كونياً ضخماً، أشبه بمعركة الأرماداغون بين الخير والشر، يقف فيه معظم الجنس البشري برمته في قفص الاتهام والإدانة.
إذ لو أردنا تلخيص تاريخ البشرية راهناً بتاريخ الحالة السريرية لنخبة واحدة بعينها هي أعضاء القيادة السورية الحالية(وقبلهم بقية سرب القادة المرضى في الماضي) لجاء التشخيص كالتالي: تهويمات ارتيابية حادة، ونزعة اضطراب عقلي (سايكوباثي) لارتكاب الجرائم واعمال العنف الفظيعة، وقسوة ضد من يعتبرونهم “أعداء” بينما هم في الواقع انعكاس خارجي لوعيهم الباطن. ما نحن بصدده هنا هو جنون إجرامي وقد أفلت من عقاله.
– III –
كيف السبيل إلى مواجهة هذا الوضع، الذي وصفته كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنه “أضخم كارثة إنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”؟
ليس بالتأكيد من خلال مايفعله قادة المعارضة السورية الآن، أي الاطلالة على هذا الكارثة من منظور سياسي، ولا بدعوتهم الدول الكبرى إلى رفض “مهزلة الانتخابات الرئاسية”، بل بوضع الأمور الحقيقية في نصابها الحقيقي، وهي أن الشعب السوري واقع بين براثن مرضى جنونيين (بما في ذلك بعض قوى المعارضة المسلحة)، تدعهم قوى روسية وإيرانية وعربية لا أخلاق لها ولامباديء إنسانية، وأن الانقاذ الوحيد الممكن هو التعبئة العامة في كل المنطقة العربية وعرضها، وفي طول العالم وعرضه، لتعبئة الضمير البشري (أو ماتبقى منه) على التحرك.
الاسد، بتحديده موعد الانتخابات، نسف عملياً أي فرصة لنجاح سلسلة مؤتمرات جنيف. وهو لم يكن ليفعل ذلك من دون دعم روسيا التي ربما قررت الانتقام من “المؤامرة” الغربية ضدها في أوكرانيا عبر التصعيد أكثر في سورية. بقي أن تستيقظ قوى المعارضة السورية، وأيضاً “القوة الثالثة” في البلاد، من غفواتها السياسية، وتتحرك إنطلاقاً من واقع أنها لاتحارب انحرافاً سياسياً بل جنوناً مرضياً يتطلب وضع القيادة السورية، ومعهم بعض قادة المعارضة المرضى مثلهم، في مستشفيات عقلية، على مقربة من مقر محكمة الجنايات الدولية.
هل يعقل أن يواصل قادة المعارضة والقوة الثالثة إغفال هذه الحقيقة، وبالتالي إغفال وضع الخطط والبرامج الشاملة لمجابهتها؟ ماذا يحتاجون لإدراكها أكثر من تشريد نصف شعبهم وقتل وجرح قسم كبير منه، وتدمير معظم البلاد، ونسف كل مقومات البيئة وتوازناتها بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية؟
ماندعو إليه واضح:
أولا، إعادة رسم أولويات المعارضة والقوة الثالثة، عبر التحول من المطالبة بتغيير النظام السياسي إلى المطالبة بالعمل على وقف مسلسل الجنون السايكوباثي.
وثانياً، وضع “الجنس البشري” أمام مسؤولياته: إما مجابهة عربدة الجنون هذه، أو الاعتراف بأنه جنس غير جدير بهذه الحياة على كوكب الأرض؟
وثالثاً، وقف الرهان دعم الدول الغربية والعربية وأموالها ونفوذها، والعمل بدلاً من ذلك على خلق مد جماهيري عربي ودولي يستطيع وحده أن يقلب الموازين بين الجنون وبين العقلانية في سورية.
هذه ليست دعوة مثالية ولا حتى أخلاقية- إنسانية. إنها دعوة عقلانية. إذ هل من سبيل غير العقلانية لمواجهة جنون مرضي؟
السابق
نتنياهو: على السلطة الفلسطينية أن تقرر ما اذا كانت ترغب في حلّ نفسها
التالي
طائرة استطلاع اسرائيلية خرقت اجواء الجنوب