الضرير رياض عبد الخالق: زعيم السمكريّين منذ 50 عاما بالجنوب

رياض عبد الخالق
ذاع صيته في الجنوب باعتباره السمكري الكفيف الوحيد في المنطقة. الدهشة تصاحب مَن يراقبه لشدّة حِرفيّته ومهنيّته. هو الآن في عامه السادس والسبعين، وفقد بصره في عامه الثالث بسبب "الحُمَّى".

عمره 76 اليوم. ابن بلدة الزرارية فقد بصره في سن الثالثة بسبب حُمَّى مجهولة. عزيمته الصلبة مكّنته من أن يكون “الزعيم” في مهنة تحتاج الى البصر قبل أيّ شيء آخر.

في أحد الورش حيث يعمل، يحمل مطرقة وإزميلاً يكسر به الجدران تمهيدا لمد شبكة المياه داخل المنزل. بدهاء عبقري يعمل، يتحسّس عمله بدقة، يسير وفق خريطة رسمها في مخيلته، يعتمد اللمس في تحديد المسافات، يدوزن عمله على قاعدة ” فكر بعقلك وإنظر ببصيرتك”.

بثقة كبيرة يروي كيف نجح في عمله، الذي دخله في عمر العشرين وتعلمه بالسمع، وقرر تطبيقه في منزله: “مددت شبكة المياه في منزلي ونجحت ولكن مددت فقط خطا باردا”. لم يترك العم رياض باباً لأحد أن ينتقده، فقدانه بصره علمه: “كيف أكافح لأجل البقاء، لم أرد أن أمد يدي لأحد”، فكان أن أثبت بشهادة كبار المهندسين أنه فريد في عمله.

الأرجح أنّ العم رياض السمكري الكفيف الوحيد في المنطقة. ذاع صيته في كل الجنوب، فرض نفسه بعبقرية عمله، تخطى كل الصعوبات، يعتمد على خريطة عقله وبصيرته، لا شك أن مهنة “السنكرجي” تتطلب جهدا وعناء، تحتاج الى تكسير و”ألوزة” القساطل ودهنها وتمريرها داخل الجدران، كل تلك الأمور تحتاج الى دقة يتمتع بها العم رياض الذي يقدّم “مثالا يحتذى به في وطن لا يقدّر عطاء أبنائه”، بحسب قوله.

قفز العم رياض على كل الحواجز المشككة بقدراته: “فحزت لقب “القبضاي”.
الدهشة تصاحب من يراقبه يعمل لشدة حرفيته ومهنيته، اثبت انه قادر ان يغير اي معادلة لمصلحة هدفه، طوع اعاقته لتتلاءم مع حياته. بكد ونشاط عمل لم يقف يوما عند كونه كفيفا، بل مضى باحثا عن تحقيق الذات، في وقت كان رفاقه يبحثون عن عمل “كنت ابتكر اعمالي، صنعتُ من الزيزفون لعبة للاطفال تصدر موسيقى، وكنت اتقاضى قرش وربع ليرة عن كل ولد. ثم أجّرت دراجات هوائية للاولاد وكنت أيضاً أقصد القرى راكباً الدراجة الهوائية، عملت نجار ونجحت حتى انني صنعت

كراسي من القصب وسلال”. لكنّ مهنة السمكري كانت اقرب اليَه فامتهنها في عمر الـ20.
تعرّف العم رياض خلال عمله إلى كثيرين وأيقن أن لا أحد يثق بذوي الحاجات الخاصّة: “دخلت في تحد مع نفسي وقرّرت أن أنجح، وبالفعل تمكنت من أن أغير نظرة الناس نحوي، الكل يقصدني لأصلح أي عطل طارئ، بت طبيب الصحية الطارئ الموثوق به”. حتّى أنّه يعطي ملاحظات على عمل من يصغرونه سنّا: “للأسف جيل اليوم يعمل بسرعة دون تأنٍّ”.

من نجار الى بائع جوال الى معلم تمديدات صحية، تقلب الشيخ رياض طارحاً معادلة جديدة: “بصيرة وإرادة وحاسة اللمس”، وهو ثالوث مكّنه من أن يكون مبدعاً في حقل صعب.: “كنت القبضاي المتمرس الذي أبهر كل الناس حتى بت أشهر معلم في المهنة”. يرمي بكلماته على قسطل بين يديه يعده ليبدا تمديده في الورشة.

بنى منزله وتزوج ورزق بأربعة أولاد. سافر إلى الغابون في أفريقيا، وعمل هناك في مهنته ولم يعصّ عليه أيّ عمل.
لا يُملّ من الحديث مع العم رياض عن عمله الذي بات جزءاً من حياته ويستحضر “نهفة” حصلت معه في احدى الورش: “كنت أنجز تركيب مغسلة فقال المهندس إنّ عملي خاطئ والمغسلة قد تقع بسرعة. فما كان مني إلا أن قفزت عليها، لأبدد شكوكه وأثبتُّ تفوقي فضحك قائلاً: أنت مذهل ومبدع”.

السابق
المتعثر !
التالي
أهل العرقوب يصطادون الخنازير ويبيعونها للأرمن