هل الإسلام هو الحل؟ ولكن اي إسلام؟

الإسلام… هل هو الحل؟ وأي إسلام؟ هناك إسلامان ظهرا في التاريخ الإسلامي! اسلام الخلفاء الراشدين الأربعة ابو بكر وعمر وعثمان وعلي، الذي استمر 31 عاماً من اصل 14 قرناً. هذا الإسلام أنبت خلال الحكم العباسي في القرن التاسع عشر زعامة العالم، كان يتقاسمها اثنان شارلمان في الغرب وهارون الرشيد في الشرق.

هذا اسلام الحرية والكرامة والنور… وجاء اسلام آخر اقام فيه معاوية بن سفيان حُكماً استبدادياً دموياً اخذ فيه البيعة من الناس إكراهاً لإبنه يزيد من بعده ليقضي الى الأبد على حق المسلمين في اختيار من يحكمهم، ويحيل الحكم من وظيفة لإقامة العدل، الى ملك عضوض (يعض عليه بالنواجذ). والقارئ لتاريخ الدولة الأموية ستفاجئه حقيقة ان الأمويين لم يتورعوا عن ارتكاب ابشع الجرائم من أجل المحافظة على الحكم… فقد هاجم الأمويون المدينة المنورة وقتلوا كثيراً من اهلها لإخضاعهم في موقعة الحرة، بل ان الخليفة عبد الملك بن مروان ارسل جيشاً بقيادة الحجاج بن يوسف لإخضاع عبد الله بن الزبير الذي تمرد على الحكم الأموي واعتصم في المسجد الحرام، ولقد حاصر الحجاج مكة بجيشه وضرب الكعبة بالمنجنيق حتى تهدمت بعض اركانها، ثم اقتحم المسجد الحرام وقتل عبد الله بن الزبير داخله…
كل شيء اذاً مباح من اجل المحافظة على السلطة حتى الاعتداء على الكعبة اقدس مكان في الإسلام. واذا انتقلنا الى الدولة العباسية ستطالعنا صفحة جديدة من المجازر التي استولى بها العباسيون على السلطة، وحافظوا عليها. فقد تعقب العباسيون الأمويين وقتلوهم جميعاً بلا ذنب ولا محاكمة، ونبشوا قبور الخلفاء الأمويين وعبثوا بجثثهم انتقاماً منهم. الخليفة العباسي الثاني ابو جعفر المنصور قتل عمه عبدالله خوفا من ان ينازعه في الحكم، ثم انقلب على ابي مسلم الخراساني الذي كان سبباً في اقامة الدولة العباسية فقتله. اما اول الخلفاء العباسيين فهو ابو العباس السفاح الذي لقب بالسفاح لكثرة من قتلهم من الناس.
سنة 1258 سقطت بغداد وزال السؤدد العربي وانتهى تاريخ الخلافة العربية الإسلامية، وكان السبب هو حملات قبائل المغول والترك.
الإسلام هو الحل؟ اي اسلام؟ اسلام ابو بكر والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والنهضة العلمية والفكرية، ام اسلام معاوية وابو العباس السفاح والمماليك والعثمانيين، وآخرهم جاء الآن الإخوان المسلمون؟
لقد اندلع الربيع العربي وهو يعرف ما لا يريد: لا صدام ولا مبارك ولا القذافي ولا آل الأسد ولا عبدالله صالح ولا.. ولا… ولكن ما هو البديل؟
يعرف العرب ما لا يريدون ولكنهم لم يعرفوا بعد ماذا يريدون!
الغرب مرّ بمثل ذلك وقامت الثورات التصحيحية الدينية البروتستنتية وغيرها، ثم جاء عصر النور، فقال المفكرون الأحرار: ماذا يريدون بديلاً من الاستبداد، لهذا قال الشيخ محمد عبده حين عاد من فرنسا الى مصر: “وجدت في اوروبا الإسلام ولم أجد مسلمين، فلما عدت منها وجدت مسلمين ولم اجد اسلاماً”، ففي الحديث النبوي “.. من لا عقل له لا دين له”. اذاً اسلام ابو بكر والخلفاء الراشدين والحرية والعدالة هو اسلام العقل، فقد حان الوقت لإنهاء النزاع بين العقل والدين. واسلام الخلفاء وابو بكر هو اسلام الحرية الذي تقول آيته الكريمة: “لا إكراه في الدّين فقد تَبيَّن الرُّشد من الغَيّ…”، او بالطبع من باب اولى لا اكراه في الدنيا وهذا الإسلام هو دين العلم الذي تقول آيته الكريمة: “… ربي زدني علماً”.
وهو دين حوار وتسامح، فالآية الكريمة تقول:
“ولا تُجادِلوا أهلَ الكتاب إِلاّ بالتي هي أحْسَنُ إلاَّ الذين ظَلَموا منهم وقولوا آمنَّا بالذي أُنزِلَ إلينا وأُنزِلَ إليكم وإلهنا وإلهُكم واحدٌ ونحن له مُسْلِمونَ”.
وكذلك: “ولو شاءَ ربُّك لآمَنَ من في الارض كُلُّهُم جميعاً أفأنتَ تُكرِهُ الناس حتى يكونوا مؤمنين”. وكذلك: “وقُلِ الحقّ من ربِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن ومن شاءَ فليَكفُر”.
حتى يخرج الإسلام الاستبدادي من سيطرته على الوجود العربي والإسلامي ويرفرف بدلاً منه اسلام العدل والحرية وكرامة الانسان، لا بد من تحقيق الثورة الثقافية الدينية العقلية ضد السجن التكفيري الاخواني فيغدو الاسلام لا ابن الوحي فحسب، بل ايضاً ابن التاريخ، وقيد تداول العقل الحر بدل ان يظلّ اسير المحرم، هناك من حملوا رايات المسيرة التنويرية بعد محمد عبده وهناك عبد الله القصيبي ونصر حامد ابو زيد وعبد الله العلايلي ومحمد اركون وصادق جلال العظم وفرج فوده وادونيس ونوال السعداوي وغيرهم.. وغيرهم…
إن رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وقد بدأ الازهر الخطوة، ولكن بتردد وحياء، فقد حان وقت متابعة المسيرة لإنقاذ الاسلام الحقيقي من أنياب الذين اغتصبوه واستبدّوا به.
حتى لا يبقى هولاكو وحده قادراً على انقاذنا من التكفيريين، وحتى لا يبقى المماليك وحدهم القادرون على انقاذنا من الاستبداديين المتوحشين.

السابق
اشكال بين الجيش واصحاب بسطات بباب الرمل-طرابلس تخلله اطلاق نار
التالي
مشهد مرعب في سماء الجنوب