الجنوب الذي لم يُتَح له أن يطبخ ثقافته على نار باردة

كامل رضا
الجنوب القلق، الذي يعيش الى ما شاءالله على خط الزلازل الوجودي الاكبر، على فالق الانقسامات العربية، على فالق الصدام مع العدو الإسرائيلي، لم يتح له أن يطبخ ثقافته على "نار باردة". فهو رغم الاخضرار الظاهر الا أنّ روايته تختزن دماء كثيرة، وتحت هذه الخضرة والنداوة والسواقي والاشجار، دماء وتضحيات وهدوء قلق، لا ينبت الا انتظار تضحيات تعبّر عنها الثقافة بالموقف والخطبة، واللهاث الدائم وراء اطمئنان لا يبدو حتى الآن إلا سراباً.

الثقافة وليدة اختمار ومسار زمني مياهها من بئر القلق الجميل، وتعبيرها مستكين يرتكز الى هدوء داخلي وخارجي، تلك نعمة لم تُتح بعد للجنوب وجبل عامل في ان يعبر خارج القلق عن حاله.

صحيح ان الجنوب منارة ثقافية تتمظهر، من خلال ادباء وشعراء وصحافيين، ينتشرون على مساحات الوطن الوافية، من دواوين شعرية ومفالات صحافية مقروءة ومواقف خطابية تعبّر عنه، الا ان ذلك مظهراً ثقافياً يكاد يكون واحدا، هو همّ وقلق يبحث عن ماء يطفئ احتراق جوانح أهله، على مساحة زمنية امتدت منذ تكوين  الوطن سياسيا واداريا وحتى يومنا هذا.

وكيف يفرحون بل كيف ترقد “عنزتهم” وقرب “صيرتها” مرقد ذئب متربص بها وبراعيها؟

كانت الاحزاب القومية والوطنية انفتاحاً فكرياً يبحث عن افق آخر، لحياة بدت مغلقة، مع تراسيم كيان الوطن اللبناني، الذي اغلق آفاق اللبنانيين الجنوبيين دون فلسطين، ثم حشرهم في كيان لم يعرفوا هويته النهائية حتى اليوم.

لذا راحوا يبحثون عن هوية تعترف بهم، او تجعلهم يشعرون بانتماء الى مكان اوسع، فصارت الثقافة مهمازا سياسيا وفكريا وعروبة يفاخرون بها، يهرقون دمهم في سبيلها على مفارق العالم العربي بدءا بفلسطين وانتهاءا بها.

هذا المناخ لم يكن وليد الصدفة، بل هو تفاعل في الهوية والبحث الذي لا ينتهي سبيلها.

اليوم نجد ان الجنوب القلق، الذي يعيش الى ما شاءالله على خط الزلازل الوجودي الاكبر، على فالق الانقسامات العربية، على فالق الصدام مع العدو الإسرائيلي، لم يتح له أن يطبخ ثقافته على “نار باردة”.  فهو رغم الاخضرار الظاهر الا أنّ روايته تختزن دماء كثيرة، وتحت هذه الخضرة والنداوة والسواقي والاشجار، دماء وتضحيات وهدوء قلق، لا ينبت الا انتظار تضحيات تعبّر عنها الثقافة بالموقف والخطبة، واللهاث الدائم وراء اطمئنان لا يبدو حتى الآن إلا سراباً.

السابق
مكب النفايات في صيدا: مطمر صحي دون معالجة!
التالي
النزوح للغذاء