طبقة تكشّر عن أنيابها

خسرت الطبقات الدنيا مطالبها في سبيل سلسلة الرتب والرواتب التي كان يفترض ان تحقق بعض الإنصاف.
فقدت الطبقات السياسية كرامتها بتهم جاءتها من المصارف، أولياء أمورها، ففضلت التوقف عند هذا الحد من التأييد الكاذب لمطالب الطبقات الدنيا.

فقدت الدولة هيبتها في ان تشكل كياناً جامعاً لكل اللبنانيين، تحاول التخفيف من فجوة المداخيل، وخفض الهوة حتى مؤقتاً، قبل ان يلتهمها التضخم.

ازداد انتماء أفراد الطبقات المهمشة إلى طوائفهم لعلهم يحصلون على ما يسد حاجات العيش كتعبير عن الاعتقاد بعدم جدوى النضال المطلبي.

أقرَّت الطبقة السياسية العليا (نواب ووزراء) تحرير العقارات بنداً واحداً وبإجماع نيابي لمصلحة أصحاب العقارات وسماسرتهم.
أظهرت الطبقة العليا انها لن تموّل السلسلة من أموال المصارف أو المصالح التجارية بل من أملاك الدولة عن طريق بيعها بالرخص، وتستخدم هذه الأرض لمشاريع تجارية؛ حتى المدارس العريقة في قلب بيروت تباع كي تستخدم المساحات لبناء مولات تجارية أو مشاريع عقارية أخرى. تطمع الطبقة الرفيعة بالسيطرة على الموجودات من أملاك الدولة في هذه الحال بأبخس الأثمان. وأراضي الدولة هنا بالدرجة الأولى أراضي سكة الحديد، وهي أكبر ملاّك للأراضي في لبنان. ربما باعتها بعد شرائها للدولة لاحقاً بأسعار خيالية. تتكالب الرأسمالية العليا على شراء الأصول العقارية في الأزمات المالية؛ فهل عندنا أزمة مالية من نوع آخر؟ أو هل نحن على اعتاب أزمة أخرى؟

خسرت الطبقات الدنيا مطالبها مما سيعرض معيشتها للتدني؛ أما الطبقة البرلمانية الرفيعة فقد خدمت أسيادها وهي سوف تتحسن معيشتها وان أصابها بعض تعكر المزاج نتيجة اللبيط على أبوازها من الطبقة المالية تأنيباً على ايصال السلسلة إلى المجلس النيابي على اعتبار ان ذلك ما كان يجب ان يحدث.

أما أمراء الحرب الكبار من الرأسماليين الجدد فسوف يمعنون في فسادهم الذي اعترفوا بأنه مزدوج وسيزداد استعمالهم لطوائفهم كقطعان انتخابية تخدم سلطة البيك.

دعا سادن الهيكل إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في 23 نيسان، فكأنه يقول: عليّ وعلى أعدائي يا رب؟ أو كأنه أعلن انسحابه من السياسة؟ أو كأنه تخلى عن مهمته في صناعة الرئيس الجديد، بتدوير الزوايا الذي صار مشهوراً به.

لا يقتنع اللبنانيون بأن الحكومة لا تجيد مسك الدفاتر، وانها لا تعرف النفقات والإيرادات، ولا تدرك أهمية موازنة مصاريف الخزينة ومداخيلها. بل اقتنع اللبنانيون بمدى استعداد الطبقة السياسية للكذب والخداع والغش وتمرير الوقت. ولا يقتنع اللبنانيون بان واجب الإصلاح لأجهزة الدولة يسبق تلبية المطالب، بل إن الإصلاح يتبع ذلك ويعتمد عليه. وما اعتقد اللبنانيون ان الطبقة السياسية جدية في أي مشروع إصلاحي. وما اقتنع اللبنانيون إلا بان الطبقة السياسية تريد دولة كهذه، دولة مخططا لها ومبرمجا ان تكون مهلهلة فاسدة قادرة على الفساد، لسبب بسيط جداً هو ان الطبقة السياسية، وهي معدومة الكفاءات، وأبناؤها أكثر افتقاراً اليها، لا تستطيع الاستفادة من الدولة، واحتكار ذلك، إلا عندما تكون الدولة مهلهلة فاقدة القوام. ليس صحيحاً ان الطبقة السياسية تريد دولة أفضل مما هي عليه.

بعد أسبوع من تحرير قانون الإيجارات لمصلحة أصحاب العقارات وسماسرتها، تتظاهر الطبقة السياسية بالعجز عن تلبية سلسلة الرتب والرواتب. مرّرت الأول بمادة وحيدة، وعجزت عن الثاني عجزاً شاملاً بعد إغداق الوعود. سيعوّد اللبنانيون أنفسهم على عدم تصديق الطبقة السياسية، وسوف يزداد اقتناعهم بأنها تمثل الرأسمال ولا تمثلهم حتى ولو ادعت حماية طوائفها.

بالطبع سوف يتهاوى عدد أكبر من اللبنانيين إلى الفقر المدقع والتهميش. وبالتالي سوف تزداد الهجرة من لبنان. سوف يتدافع اللبنانيون إلى الخارج في وقت تنسد أبواب الهجرة الشرعية. وستتفاقم المشاكل الاجتماعية. سيصير اللبنانيون أكثر اعتماداً على الطائفية والعائلية والعشائرية لما في ذلك من حماية موهومة أو حقيقية.

سوف يزداد الانقسام الطائفي بين اللبنانيين، وسوف يزداد التشنج الانقسامي، وسوف نشهد آثار ذلك اجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
مع فقدان الدولة هيبتها سوف يزداد التعدي على أجهزتها وأملاكها، وسوف تزداد أعمال الجريمة بمختلف أنواعها. وسوف تنهار الحالة الاجتماعية باتجاه التفكك.

لا يستطيع أحد من أطراف الطبقة السياسية التنصل من المسؤولية عما حدث وعما سوف يحدث. فالذين لم يصوتوا للسلسلة صوتوا لقانون الإيجارات. كان الأستر لهم تمرير القانونين في وقت واحد.

خالفت الطبقة السياسية مبدأ وحدة الخزينة فاستخدمت حجة إيجاد الموارد من أجل تمويل السلسلة، وهي بذلك خالفت القانون والدستور معاً. يستحق البرلمان والحكومة ان يحاكَما من أجل ذلك.

لدى اللبنانيين الآن طبقة سياسية يحتقرونها، وسيكون الإصلاح أصعب على أيدي من لا يستحقون إلا الاحتقار. والأكثر استحقاقاً للاحتقار هم الأكثر يمينية بينهم. خسر هؤلاء القدرة على الإيهام بالصدق. لم يبق لديهم من الفضائل سوى القدرة على الكذب والغش والاحتيال.

ربما نستطيع التعزي بأننا خسرنا معركة. وربما توبع النضال المطلبي من أجل كسب الحرب. لكن لا شيء على المدى المنظور يشير إلى أي شيء غير ازدياد الفجور لدى الطبقة الحاكمة، سواء كانت مالية أو سياسية. كراع بعضهم من بعض.
ولينتظر من ينتظر من اللبنانيين الإصلاح عن طريق من أنتجوا هذا الفساد.

السابق
المشنوق: الحكومة الحالية انتقالية
التالي
العلامة الحاج: قانا بلدة الصبر والتضحية والفداء