«بينع بونغ» المتشددين

ديبلوماسية “البينغ – بونغ”، أنتجت بداية المصالحة والتعاون بين بكين وواشنطن، في مرحلة دينغ سياو بينغ الانفتاحية. حالياً تدور لعبة “بينغ بونغ” من نوع آخر بين المحافظين المتشدّدين في واشنطن وطهران، لكسر سياسة الانفتاح “الروحاني”، ووقف “قطار” المصالحة بين الدولتين، ممّا يحقّق طموحهم في استعادة السلطة في الدولتين، التي يعتبران أنّ المعتدلين “الاوباميين” و”الروحانيين” قد “سرقوها” منهم وأنّه إذا لم يتم استعادتها في الفترة المقبلة ولو عبر تخريب توجّهات الانفتاح بين العاصمتين، فإنّ الخسارة ستمتد لسنوات طويلة.
في اللحظة التي أعلن فيها نجاح المفاوضات بين إيران ومجموعة “الخمسة زائد واحد”، وأنّ الاتفاق النهائي سيوقّع على الأرجح في نهاية حزيران المقبل، خرجت من تحت “المياه العميقة والراكدة”، قضية حميد أبو طالبي. طهران كانت قد عيّنت أحد أفضل ديبلوماسييها و”الشخصية المؤهلة وصاحبة التأثير والخبرة”، سفيراً لها في منظمة الأمم المتحدة. من دون مقدّمات أعلنت واشنطن أنّها لن تمنح السفير المعين أبو طالبي التأشيرة، وإذا بالقرار يتحوّل إلى “زلزال” ديبلوماسي حقيقي تمّ خلاله تبادل كل كرات “البينغ بونغ” القاسية والمرفقة بتهديدات متبادلة.
المشكلة أنّ أبو طالبي، كان عضواً في مجموعة “الطلاب السائرين على نهج الإمام الخميني” التي احتلت السفارة الأميركية في بداية الثورة وأخذت الموظفين الأميركيين رهائن لمدة 444 يوماً. الواقع أنّ أبو طالبي كان عضواً في المجموعة، لكنه لم يكن من أعضاء الصف الأوّل مثل سعيد حجريان وعباس عبدي اللذين مثله أصبحا من أبرز قادة الاعتدال والدعوة إلى المصالحة مع الولايات المتحدة الأميركية، وإقفال صفحة الماضي. المشكلة أنّ قرار المنع هو في الأساس صادر عن الكونغرس الأميركي تحت بند “منع أي شخص وجّه (خلال عملية السفارة) صفعة للأميركيين الشجعان الذين تعرّضوا للإيذاء العقلي والجسدي طوال 444 يوماً”. طهران تقول إنّه سبق لأبو طالبي المشاركة في أعمال الأمم المتحدة، ولذلك ترفض القرار، خصوصاً أنّه مخالف لـ”الأعراف القانونية”. وفي خطوة تصعيدية ستقدِّم طهران شكوى لدى المنظمة لنقض القرار. أمّا في واشنطن فإنّ “الإدارة الأوبامية” التي شعرت بالإحراج، تدرس كيفية القفز فوق هذا القرار الصادر عن الكونغرس لوقف التدهور في هذا الوقت الحسّاس.
لكن كما يبدو فإنّ المتشدّدين في واشنطن اعتمدوا روايات منظمة “مجاهدي خلق” التي كانت تُعتبر “إرهابية”، تقول إنّ أبو طالبي شارك في اغتيال اثنين من قياداتها هما محمد نقدي وكاظم رجوي شقيق مسعود رجوي عندما كان سفيراً في روما، وأنّه منذ حُلَّت قضية السفارة الأميركية ارتبط باستخبارات “الحرس الثوري”.
لا تقف لعبة التشدّد عند قضية أبو طالبي. ففي الوقت الذي تريد فيه “الإدارة الروحانية” إطلاق عملية النهضة الاقتصادية بسرعة صاروخية، حتى تحقّق مكاسب شعبية مربحة وداعمة لها، تواجه تعقيدات أميركية، من أبرزها:
* مماطلة الشركات الأميركية في بيع إيران قطعاً لأسطولها المدني رغم الموافقة الرسمية الأميركية.
* عدم إقدام أي شركة أجنبية على تأمين ناقلات النفط الإيرانية بحجّة أنّ مدّة الاتفاق بين مجموعة الـ”خمسة زائد واحد” وإيران قصيرة جداً وأنّه يجب انتظار الاتفاق النهائي ممّا فُسِّر في طهران محاولة علنية للضغط عليها للإسراع نحو الاتفاق النهائي.
في هذه الأثناء، يبدو واضحاً أنّ الرئيس حسن روحاني يعمل لتطويق أي عملية تمدّد الوضع الافغاني بعد الانسحاب الأميركي إلى إيران عبر محافظة سيستان – بلوشستان، التي تكمن فيها كل الأسباب العرقية والمذهبية والتخلف الاقتصادي لنجاح أي محاولة للتفجير، خصوصاً أنّ مجموعة “أهل الحق” ناشطة عسكرياً بين باكستان وإيران.
الرئيس روحاني زار سيستان – بلوشستان وشدّد فيها على أنّ:
* سيستان – بلوشستان تمثّل “أهمية استراتيجية فائقة ومواطنوها كانوا دائماً حرّاساً للحدود على مرّ التاريخ”.
* “الحكومة ستبذل جهوداً لتنمية الاقليم وإعماره من خلال تنفيذ سياسة تعتمد التنمية والإعمار فيه”.
* “لا يوجد تمييز بين المذاهب والقوميات”.
ويبدو أنّ السكان في الاقليم طالبوا روحاني بتنفيذ تعهّداته في المساواة بين المواطنين في الوظائف حيث لا يتولى إيراني سنّي أي موقع من رتبة وزير أو محافظ أو جنرال.
“الروحانية” التي تريد إخراج إيران من “الرمال المتحرّكة” التي أوصلها إليها المحافظون المتشدّدون، ليس فقط في طهران وإنّما أيضاً في واشنطن، التي في جميع الأحوال تبدو متردّدة في الانفتاح الكامل قبل التأكد من أنّ طهران، لن تستثمر الاتفاق لمتابعة سياستها في التمدّد في الشرق الأوسط بكل الوسائل بما فيها الدعم العسكري لحلفائها كما يحصل في سوريا.

السابق
بوتين يتهم امين عام الحلف الاطلسي بتسجيل حديث خاص
التالي
واشنطن تفرج عن 450 مليون دولار من الارصدة الايرانية المجمدة