انخساف أسباب إسلامي يكاد يجعلني كافرا

يعجبني انتهاكك للنمذجة، في الدين والسياسة، في حين أن الدين يبتعد عن الشعر، والسياسة تشوّه الدين. تذكّرنا يا سيد هاني فحص بأن الدين جميل وأن الفعل الديني هو الحبّ. تذكّرني بالأسباب التي جعلتني أكتشف أن الإسلام ديني والتي يكاد انخسافها الراهن يجعلني كافراً، تثبّت يقيني أنّ الشعر والفنّ لا يحتكرهما التقدميّون الذين يروا في الدين تخلّفاً وأنّ الدين لا يمتلكه الذين يحصّنونه في التعقيم والكتامة.

أسلوب الكتاب (“اقتراض الشعر لا قرضه” للسيد هاني فحص*) يقوم على إدخال مسرحية داخل مسرحية، يؤدي إلى بنية مركّبة تتداخل فيها حالتان متباينتان تبعاً لغرض فنّي او فكريّ يضعه الكاتب.

 براعة أدبية حيث يختبر الكاتب (وهو شاعر يكتب عن الشعر) لعبة المرايا، انعكاسات الشعر المختلفة على الحالات المعاشة، تارة في مرآة الذاكرة وطوراً في مرآة اللحظة الراهنة، تارةً في مرآة الذات وطوراً في مرآة الحيّز العربي. تتبدّى الصور الشعرية من خلال منظار جديد يُظهر ألواناً كانت خفيّة أو أبعاداً تبدّل الأفق.

العلاقة بين القارئ والشاعر هي من أهم العناصر في الصيغة الفكرية الفنيّة المقترحة. الشخصية المركزية هي القارئ، لا وجود للشعراء وللشخصيات الأخرى إلاّ من خلال قراءته لهم أو لأشعارهم. فهو القارئ ونحن نقرأ قراءته، فعندما ينتقل إلى الحروب وآثارها أو إلى المفارقات الفقهية والسياسية، ننتقل معه إلى قراءة الدين والسياسة لكننا نتبع مرشداً يأخذنا من مكان إلى آخر، نعرّج معه على النجف أو على بيروت أو على الجنوب، ولا نشعر بالانقطاع أو الغرابة. ذلك لأنّ جميع العناصر التي تُعرض علينا (الواقعية والشعرية، الفنيّة والفكرية) تشكّل جدارية واحدة، تدخل في تكوين رؤية واحدة. هذه الرؤية هي رؤية نقديّة. النقد الحقيقي، النقد الذي هو تجربة معرفية، إذ إنّه يضيف خطاباً إلى الخطاب الشعري أو الفكري، ويضع هذه المعرفة في صيغة شعرية أدبية قابلة للتواصل ومثيرة للالتذاذ.

لا يوجد فصل هنا بين النقد وتذوّق الشعر، فالتداخل بينهما هو الحركة الحيّة التي تنطلق من المعرفة وتُنتج معرفة، معرفة متصلة عضوياً بمعرفة الشاعر والشعر في عناصره الفكرية والجمالية. معرفة لا تقتصر على لحظة القراءة بل تمتدّ إلى التذكّر والتأمّل وتصبّ في الحسرة والغضب وتتجاوز الكسل الفكري حتى الانتهاك.

يعجبني انتهاكك للنمذجة، في الدين والسياسة، في حين أن الدين يبتعد عن الشعر، والسياسة تشوّه الدين. تذكّرنا بأن الدين جميل وأن الفعل الديني هو الحبّ. تذكّرني بالأسباب التي جعلتني أكتشف أن الإسلام ديني والتي يكاد انخسافها الراهن يجعلني كافراً، تثبّت يقيني أنّ الشعر والفنّ لا يحتكرهما التقدميّون الذين يروا في الدين تخلّفاً وأنّ الدين لا يمتلكه الذين يحصّنونه في التعقيم والكتامة. من خلال توارد القوّة الإيمانيّة والطاقة الشعرية، لقد أبرأت مفهوماً كاد يتلاشى في قاموس الدين، ألا وهو الحبّ… لا يمكنني إحصاءُ، كَمْ مرّة تتكرّر هذه الكلمة في صفحات الكتاب. حبّ الشعر والشعراء، حبّ الجمال، حبّ المرأة، حبّ الطبيعة، حبّ الأوراق التي تكتب عليها، حبّ الكلمات التي تدوّن بها مشاعرك وأفكارك، حبّ القارئ الذي سيتلقّى كلماتك. أخرج من كتابك ويبدو لي أنّ المعادلة بديهية: لا معنى للدين إلاّ في الحبّ، وأي عمل خال من الحبّ هو كفر.

لقد كنتُ قبل اليوم أنكر صاحبي.. إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

لقد صارَ قلبي قابلاً كلَ صورة.. فمرعًى لغزلان وديرٌ لرُهبان..

وبيتٌ لأوثان وكعبةُ طائف.. وألواحُ توراةٍ ومصحفُ قرآن

أدينُ بدينِ الحبِ أنّى توجّهتْ.. رَكائبهُ، فالحبُّ ديني وإيماني

ليس الشعر بالضرورة ديناً ولكنّ الدين بالضرورة شعرٌ. لأنّ الدين بالضرورة جميلٌ، وعمامتك هنا لتؤكّد ذلك.

* كلمة ألقيت في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي خلال ندوة حول كتاب “اقتراض الشعر لا قرضه” للعلامة السيد هاني فحص، اﻷسبوع الماضي.

السابق
شعبة المعلومات اوقفت ليلاً المدعو علي فراشة
التالي
السفير: واشنطن تدرّب 600 منشق عن الجيش السوري شهرياً