ما بعد الاتفاق النووي الإيراني

يسلط مؤيدو الاتفاق الذي يحظر على طهران تطوير أسلحة نووية، الضوءَ على الفوائد المرتجاة منه، ويحذّر الطاعنون فيه من «اتفاق طالح» لا يقوِّض قدرات إيران الذرية. وتغيب عن النقاش مترتبات الاتفاق الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وتبرز الحاجة إلى تقويم آثار هذا الاتفاق، وهو يقضي برفع العقوبات عن إيران واستئناف العلاقات التجارية بينها والاقتصادات الكبرى، أي التخلي عن أبرز وسائل حملها على التخلي عن أركان برنامجها النووي. لكن رفع العقوبات قد يؤدي إلى تعزيز قوة الحكومة الإيرانية الاقتصادية، على رغم أنها تدعم الإرهاب. ولا يخفى أن قيد العقوبات المحكم لم يَحُلْ دون دعم طهران متطرفين تتوسل بهم لنشر مشروعها الجيـوسيــاسي الأوسع في الشرق الأوسط وخارجه. وقد يعبّد الاتفاق النووي الطريق أمام انفراج في العلاقات بين ايران وجيرانها من جهة، وبينها وبين أميركا من جهة أخرى. ولكن يرجح أن يساهم رفع العقوبات في ترجيح قدرة طهران على بث نفوذها الخبيث في الجوار وفي سورية ولبنان والعراق وشبه الجزيرة العربية والأراضي الفلسطينية، فتكلُّل الاتفاق النووي بالنجاح يعزز هذه القدرات ويعظم خطرها على أميركا وحلفائها في المنطقة.

وليس تسليط الضوء على هذه المترتبات والأخطار داعياً إلى ترك الديبلوماسية مع طهران، فالحؤول دون حيازتها السلاح النووي أولوية، واتفاق يسقِط هذا الخطر ترتجى منه فائدة وتُحتمل جوانبه السلبية. ولا غنى عن الإقرار بهذه الجوانب السلبية، والإعداد لتخفيف آثارها عبر الآتي: أولاً، إعلام طهران أن المصالحة الأميركية معها غير ممكنة ولو أُبرم الاتفاق النووي، من غير عدولها (إيران) عما يزعزع استقرار المنطقة. ومثل هذه الرسالة يدحض رؤيةً تزْعُم أن أميركا تنسحب من الشرق الأوسط وتصدع بهيمنة إيران على المنطقة هذه. وثانياً، رفع وتيرة الحوار بين واشنطن وحلفائها من أجل التفاهم على سبل جبه إيران قوية اقتصادياً إثر إبرام اتفاق نووي. فتخفيف قيد العقوبات يزيد قدراتها على تدريب ملحقاتها الإرهابية وتمويلها ومدها بالعتاد. لذا، تمس الحاجة إلى تعزيز التعاون مع الحلفاء في المنطقة والسعي في تحديد تلك الشبكات الإرهابية وعرقلة عملها وتفكيكها. وثالثاً، إعادة واشنطن النظر في موقفها إزاء سورية، وهذه يرجح أنها اليوم مسرح نزاع الهيمنة على الشرق الأوسط. وإذا عززت إدارة اوباما دعمها للمعارضة السورية وزودتها عدداً محدوداً من الأسلحة الاستراتيجية على نحو ما تقترح تقارير صدرت أخيراً، ثبت أنها تقر بالحاجة إلى التزام موقف قوي وبذل موارد من أجل قلب موازين القوى في سورية، حيث يعود الفضل في رجحان كفة الأسد إلى الدعم الإيراني.

رابعاً، لن يقوّض اتفاق نووي مع إيران نفوذ أميركا في الشرق الأوسط، ولن يقلص التزاماتها هناك. فهذا الاتفاق يقتضي زيادة الأنشطة العسكرية والديبلوماسية والاستخباراتية في المنطقة من أجل مساعدة الحلفاء على موازنة القوة الإيرانية المتعاظمة عبر زيادة القدرات العسكرية العربية والإسرائيلية؛ وإحياء مبادرة دمج أنظمة الدفاع الجوي والباليستي في دول مجلس التعاون الخليجي.

خامساً، إعداد نظام عقوبات جديد يطبّق إثر الاتفاق، فموارد طهران المالية سترتفع إذا أُلغيت العقوبات. ولكن يجب ألا تُرفع العقوبات التي تجازي أنشطتها الإرهابية، وأن ترسى قيود جديدة على الشركات الإيرانية والمصارف والأشخاص الضالعين بنشاطات تزرع الاضطراب في المنطقة. وتمس الحاجة إلى مشروع عقوبات جاهز للتطبيق، إذا تلكأت إيران في تنفيذ الاتفاق النووي.

 

 

* المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية، قائد القيادة الوسطى الأميركية سابقاً، وباحث في مركز «نيو أميركان سيكيوريتي»، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 10/4/2014، إعداد منال نحاس

السابق
سعد: المضاربات العقارية والنشاطات الريعية تموّل السلسلة
التالي
خلوة سليمان – الراعي وزيارة الفاتيكان لا تخلوان من “الرئاسيات”