سيرين عبد النور تحتضنُ المُعنَّفات

يكفي أن يشمل عملاً ما بُعد إنساني ليُنظَر إليه بحبّ، وإن أحاطه، في أحيان، عنصرٌ مُفتَعل. الروح الطيّبة تُنقذ بدفئها بعضنا من البرد. سيرين عبدالنور في “بلا حدود” (“الآن”) تجعلكَ معنياً بإمرأة تُغتَصب ومُدمِن مُدمَّر وأولاد تُعذِّبهم الحرب.

ما كنا ندري بتركيبة تلفزيون الواقع قبل تجربة الـ24/24 الخاصة بـ”ستار أكاديمي”. كان المشتركون معاً في النهار والليل. “ميساء بلا حدود”، أيضاً عبر “الآن” تجربة فردية أولى لم تفعل إلاّ إظهار ميساء المغربي متعاليةً على الشعب. يحمل “بلا حدود” مع عبد النور معاني أكثر عُمقاً. لا بدّ أنّ فيه من ضرورات النساء “الواقعيات”: ماكياج وموضة وأحمر شفاه ومرآة. يهمّنا شقّ فيه إنسان يُذكَر فإن بكى امتدت اليه يدٌ. ومكان آخر غير المطعم الفاخر: مخيّمات اللاجئين السوريين في البقاع حيث أولاد الحرب والفقر والتشرّد.
البرنامج حلقات طويلة، وما هو مُختَصر: “اليوميات”. عبد النور بطلة مسلسلاتها، وفي أماكن القهر، لا يعود مهماً مَن البطل. في مكان بعيد يفصلُ الخليوي من الخدمة، شابات متألمات زارتهن مع الكاميرا. لن يُمسي كشف وجوههن إلا مأساة أخرى. يغرق الصوت في ظلمتين: الغرفة والذاكرة. الزمن قاسٍ وتلك الشابة العشرينية تخجل أن تُخبِر عبد النور القسوة، كأنها إن فعلت سيظنّها تتذمَّر ويعاقبها ثانية. نُريد للواقع أن يكون احتمالاً لغير التتفيه والقهقهة وقشور العيش. وشوبينغ الفنانة ورحلاتها حول العالم والمفاجأة الكبرى بمناسبة عيد ميلادها. بدت تلك الشابة تُجلد وهي تتذكّر: “قادوا أمي الى سوريا وقتلوها”. وردةٌ سوريةٌ رماها البؤس خارج الحديقة. حضنتها عبد النور كأنهما تبكيان معاً. لعلّها تمنّتها تلك الأم التي قُتلت.
نُراهِن على أنّ الواقع مصدره الناس، أكثر من كونه وقتاً تُمضيه صديقة عبد النور مايا حداد تارةً تصفف شعرها وتارةً تتبرّج. قد يحدث أن يُراعي بعض “اليوميات” رغبة “الواقع” بالنفور من الدراما. ثمة مَن يروقه مشهد الفنانة تسير في السوق وتشكو طولَ المسافة الى المطعم. ثم يُصبح الحديث مديحَ الملابس، ونصائح عن الموضة و”كولكشن” صيف 2014. ذلك “واقعٌ” بطلته كيم كارداشيان أيضاً، وهي اليوم نموذجٌ يُقلَّد.
دور عبد النور ألا تتأثّر فقط، بل أن تُؤثر. يروي شاب كيف أنّ اللجوء الى المُخدِّر يُشبه دوّامة يتخبّط فيها المُدمِن حتى يُقتَل. نشاطها الإنساني يتجاوز كونه أسير موضوعٍ أو فئة، والحلقات تشمل أنواعاً من الحالات، فالمآسي مُنتشرة. تُصغي كأنها تُتيح له أن يُعالَج. ظلمةٌ تلفّ وجه الشاب كحال المرء حين تعييه الكآبة. يُخبرها: “كنتُ في الرابعة عشرة من عمري حين جرّبتُ المخدِّر. شيئاً فشيئاً صرته. وصارني هو أيضاً. وشت بي أمي وقادتني بنفسها الى السجن. لم أُشفَ. الجمعية حيث أنا حرّرتني من الإدمان. بفضلها عدتُ طفلاً”. لا بأس إن صوَّرت “كاميرا الواقع” جهد الجمعيات في منح الشباب فرصة، فغالباً ما تتوقّف عند تفاصيل بلا جدوى: صاحب صالون التجميل المُهتمّ بأناقة مايا، يلهو بالبلياردو.
يُبيّن البرنامج، من بين “وقائع” عدة، واقعاً يقول إنّ حول الفنان أشخاصاً يُفكّرون معه (وقد يُقال إنّهم يُفكِّرون عنه). تتحمّس عبد النور لتجارب لم تختبرها حتى في أدوارها التمثيلية، ولا تبدو مُتكلِّفةً في عطائها. سمعتْ “عبر التلفزيون” أنّ اللاجئين يعانون البرد والجوع، وحين زارتهم تأكّدتْ أنّ الواقع عالمٌ لا يُشبه ما يَظهر على الشاشة.

السابق
ضابط سوري منشق: حزب الله لا يمكنه ترك مقام السيدة زينب والتوجه للمليحة
التالي
لجنة أوضاع الأطفال اللبنانيين «المكتومي القيد» تشرك الإعلام في حملتها