تحالف «عوني – مستقبلي» قذف بالسلسلة 15 يوما

عون و سعد

طافت المناقشات والمناقشات المضادة، فتبيّن ان ثمة تسوية ما تلوح في الأفق. تسوية بدأت معالمها، في ساعات متأخرة من ليل اول من امس، ولم تنضج الا مساء امس، بعدما ” ملّت” القاعة العامة لمجلس النواب سماع المواقف المتشابهة. فهم المتابعون لماذا سمح رئيس مجلس النواب نبيه بري بهذا الكم الهائل من المداخلات المطوّلة، فقد كان ثمة شيء يحضرّ. وبانت اولى معالمه في مداخلة الرئيس فؤاد السنيورة صباحا، ودعوته الى تشكيل لجنة برلمانية وزارية، مع اصحاب الاختصاص من أجل درس مشروع سلسلة الرتب والرواتب، ونضج الاقتراح مساء عبر نص مكتوب اعدّه النائب جورج عدوان.

ليس في هذه التسوية ما يفاجىء، الا الصورة الجديدة للتحالفات السياسية التي ظهرت داخل القاعة. “تكتل التغيير والاصلاح” اكمل التسوية حتى النهاية مع كتل نواب “المستقبل” و”القوات اللبنانية” والكتائب و”جبهة النضال الوطني”، وبقيت في المقلب الآخر، كتلتا “التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” مع نواب حزب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي. اكتملت التسوية. فاز اقتراح عدوان بـ65 صوتا مع تشكيل لجنة لاعادة درس السلسلة خلال 15 يوما في مقابل27 ضد، وممتنع واحد هو النائب نبيل نقولا، بينما خرج النائب ابرهيم كنعان من القاعة، قبيل التصويت وخلاله.
اللجنة التي نص عليها الاقتراح تألفت من النواب: آلان عون وكنعان وعدوان وغازي يوسف وجمال الجراح وهنري حلو وسامر سعادة، ووزراء المال والاقتصاد والتربية والتنمية الادارية، وحاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس الخدمة المدنية عند الضرورة. وانسجاما مع التصويت، غاب عنها نواب “امل” و”حزب الله”، رغم المشاورات التي سعى اليها عدوان في اللحظات الاخيرة، مع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد.

السنيورة وفكرة اللجنة
فرزٌ في العلن قابله ربما تحالف ضمني بقي سرا من أسرار قاعات المجلس التي شهدت حركة نواب كثيفة. تارة يعقدون اجتماعات هامشية. وطورا يتجه عدوان نحو بري ليتجادلا طويلا، قبل ان يتوجه نحو السنيورة، ليخرجا معا في خلوة جانبية. مشاورات بدا ان رئيس المجلس العالم الاول بها، لكنه لا يرضاها، وان تدرّج موقفه من رافض لعرض اقتراح عدوان على التصويت الى القبول به، منهيا بذلك باب المناقشات. بري لم يتردد لحظة في تسجيل قوله في المحضر قبل ختم المحضر: “اتمنى الا يكون هذا اليوم ظالما في تاريخ المجلس”.
اطلق النواب العنان لمواقفهم، كما لو ان الجلسة هي جلسات ثقة، وبدا بعضهم في ضياع لا يعرفون طريقة للخروج من “كبوة” السلسلة. هم الذين “جنوا على انفسهم” حين رفعوا رواتب القضاة قبل اعوام. وجدوا انفسهم بالأمس بين حدّين: حقوق الموظف وواقع اقتصادي مرّ. دفع السنيورة الى القول: “نحن الوزراء والنواب افسدنا الادارة”.

اعتراف لا يلغي المسؤولية. فتدّخل بري على الفور قائلا: “لست هنا لان القضية اخلاقية، او لان ثمة اناساً في الخارج. يتم تصوير الأمر كان هناك فرزا، والواقع ان كل النواب عملوا من اجل السلسلة واقرارها وارقامها، فليتم التصويت على المشروع، مثله مثل اي قانون آخر، او فليسترد اذا تطلّب الامر. هذا هو حجم المسألة”.
في العلن ايضا، لم يجد بري في كلام السنيورة جديدا لناحية احالة السلسلة على لجنة نيابية وزارية، لكنه اعاد التذكير بموقفه من المصارف، قائلا: “المصارف في لبنان تربح 9 مرات اكثر من مصارف اوروبا، و4 مرات أكثر من مصارف اميركا. لست ضد المصارف، لاني مع الاقتصاد الحر. كل ما طالبت به انطلق من اصلاحات مؤتمرات باريس، ومن ان ارباح المصارف تقدر بنحو مليار و700 مليون دولار”.
لم يدخل النواب صلب المناقشات. لم يبدأوا حتى بقراءة بنود المشروع، لكأن شيئا كان يحضّر، وسط “الطوفان الكلامي” العمومي. والمفارقة ان الحشد النيابي الذي ملأ القاعة، قابله “شبه حضور” من الوزراء. تسعة منهم فقط حضروا، الى جانب الرئيس تمام سلام. انما هذا الحشد “استفزّه” الحضور الاعلامي. وقف النائب انطوان زهرا ليقترح ان تكون الجلسة سرية، فأيده اكثر من اربعة نواب. هكذا، طرح الاقتراح على التصويت. ربما “الخوف من فضح بعض الفضائح”، جعل بعض النواب يطالبون بـ”إبعاد الاعلاميين”، وربما ” الخوف من المزايدات” جعل النواب يصرون على ذلك. الفرضيتان تصحّان.
النائب سامي الجميل رفض سرية الجلسة، وايده النائبان علي فياض وسيمون ابي رميا، بينما كشف النائب احمد فتفت ان “وزير المال اعلن في اجتماعات اللجان ان ثلث المبالغ المذكورة في مشروع السلسلة لا يستطيع ان يضمنها، فوقفا لباب المزايدات، نطلب سرية الجلسة”.
جدل كبير حول ابعاد الاعلاميين، وخشية أكبر من ان “تكشف فضائح”، ولكن سرعان ما حسم الامر بالتصويت، لمصلحة إبقاء الجلسة علنية. كتل “المستقبل” و”القوات” صوتتا كاملتين مع سرية الجلسة، “تكتل التغيير” انقسم (ايد كنعان وعون سرية الجلسة)، نواب “جبهة النضال” انقسموا، وكتل “امل” و”حزب الله” والكتائب صوتوا ضد سرية الجلسة. حسم الامر ولم تبعد الصحافة.
… دقائق وتوالت المواقف. في مداخلة طويلة، امتدت نحو ساعة تحدث السنيورة داعيا الى “عدم الوقوع في فخ المغالاة لئلا تنعكس المزايدات على الاقتصاد واطاحة المكاسب النقابية والعمالية”.

واستعاد تجربة العام 1992 و”كيفية تغييب الاصلاحات في العام 1998 لما كاد ان يوصلنا الى الهاوية، لولا مؤتمرات باريس”، محذرا من “العودة الى الممارسات العشوائية والزبائنية والتخلي عن الرهانات المالية”.
واذ لفت الى ان “الفوائد تؤثر في الناس، لا سيما من اخذ قروضا سكنية”، اقترح “حلا للخروج من الازمة الاقتصادية والمالية يتمثل في العودة بأرقام السلسلة الى حدود اقتراح الحكومة تجنبا لمخالفة الدستور، واقرار اجراءات مالية لمعالجة تفاقم العجز عبر زيادة الـ TVA الى 12 في المئة، مع اعفاء السلع الاستهلاكية الاساسية لحماية اصحاب الدخل المحدود،و معالجة مشكلة الكهرباء وزيادة الاسعار على الاستهلاك المرتفع، والمبادرة الى حملة اصلاحات ادارية تزيد الانتاج وتضبط الاهدار، وزيادة عدد ساعات العمل للموظفين على خمسة ايام في الاسبوع، والتزام عدم اقرار اي مشروع انفاق من دون توافر الايرادات، وتأجيل اقرار مشروع السلسلة لمزيد من البحث في ارقام الانفاق والايرادات وتأليف لجنة من أصحاب الاختصاص لإعادة درس مشروع السلسلة درسا معمقا تقدم في مهلة قصيرة تقريرها واقتراحاتها إلى المجلس”.
وختم: “نحن مع السلسلة لكننا لا نريد ان نقع في حفرة التضخم”.

“حزب الله” والتكتل
موقف “المستقبل” قابله موقف مناقض تماما من كتلة “الوفاء للمقاومة”. فاعتبر فياض ان “الضرائب المفروضة لا تحملّ الطبقات الفقيرة اي زيادة، واذا اطلّعنا على جدول الايرادات، فنخلص الى اننا نجحنا في عدم زيادة حجم الدين”، واكد رفضه التأجيل.
تلاه النائب علي عمار مؤكدا انه “اذا لم تقر السلسلة فسنكون في ازمة كبيرة”، وقال: ” كلنا نبكي على الاقتصاد والاستقرار، ولكن هل سألنا عن اي استقرار نقدي نتكلم وسط الغلاء الفاحش؟”. وفي ردّ على السنيورة من دون ان يسمّيه، قال: “اقرار السلسلة مسألة اخلاقية، واعادتها يشكل خطأ تاريخيا”. وبدوره أكد النائب حسن فضل الله “ضرورة العمل حتى اقرار السلسلة”، داعيا الى “تغيير جذري في النهج الاقتصادي”. واشار الى ان “كتلة الوفاء اصرت على الا يكون عبء السلسلة على الفقراء، لذلك ذهبنا الى الاملاك البحرية”، بينما رأى النائب نواف الموسوي ان ” اي لجنة جديدة هي دفن للسلسلة”.
موقف الحزب لم يكن بعيدا من موقف “امل”، إذ قال النائب هاني قبيسي: “الاحالة على اللجنة هي ضرب للادارة”.
وفي مقلب “تكتل التغيير” اختار كنعان الحديث عن ” الكادر البشري الذي يعتبر العنصر الاساسي في الدولة. نحن امام مشكلة عمرها اكثر من 20 عاما، وآخر تعديل في السلسلة كان عام 1998 مع مفعول رجعي لسنتين، ويا للاسف، ليست عندنا اي رؤية او حل لتحقيق اصلاح جدي. لذلك، يشكل اقرار السلسلة وبت الاصلاحات فرصة تاريخية للانقاذ. في الوقت نفسه، علينا إدراك حجم الواقع الاقتصادي، لاننا اذا اردنا ان نطبق زيادة الـ 121 في المئة فسنصل الى كلفة تقارب الـ3000 مليار ليرة”.
وما لم يقله كنعان قاله عون: “فلتسترد الحكومة المشروع لمهلة قصيرة من أجل تأمين التمويل او نطلب التريث في اقراره”.
اما موقف الكتائب، فعبرّ عنه الجميل بالقول: “مشكلتنا ليست مع السلسلة، انما مع الايرادات، ومرض الاقتصاد البنيوي عندنا سببه غياب الاستقرار الذي يهرّب المستثمرين، كهرباء لبنان والعجز، الجمارك وحجم التهريب في المطار والحدود”، وطالب “باعادة درس السلسلة بدقة لجهة الارقام وتأثيرها على الاقتصاد”.
وفي مقاربة موضوعية، قدّم فتفت مداخلة اعتبر فيها “اننا دخلنا متاهة كبيرة. نحن امام ظرف يبرز فيه مؤشر اجتماعي خطير جدا، وثمة اصحاب حقوق في الشارع. سبب هذا الواقع، عوامل عدة، ابرزها: غلاء المعيشة، تراجع النمو، والخطاب الشعبوي”.
وضع فتفت الاصبع على الجرح، وقال: “قبل ثلاثة اعوام، رفعنا رواتب القضاة. يومها، وعدنا بالاصلاح، لكننا لم نشمّ رائحته. لم نر مشروعاً واحداً من وزير العدل”، وطلب “نشر كل المداولات في اللجان المشتركة. داخل اللجان، هناك كلام مسؤول، واليوم ثمة كلام عكسه. نحن بالفعل مع السلسلة، لكننا معك دولة الرئيس (بري) في ما قلته الا تشكل (1) في المئة عجزا اضافيا. والاهم اننا نريد اصلاحا وتحقيقا في الفساد، ليس مع الموظفين، انما مع من يمسك بمرافق المطار والجمارك، والا فسنبقى في دولة خارج دولة”.
هذا الكلام استفز فضل الله الذي اعتبر ان “الحديث عمن يحمي الفساد كمن تحدث سابقا عن غرف تعذيب في المطار”، فعلق فتفت: “وماذا عن حبوب الكبتاغون؟”. على الفور، تدخل بري منعا للجدل.
وفي محاولة لايجاد مخرج، اقترح النائب مروان حماده “دمج ملاحظات السنيورة مع موقف “جبهة النضال الوطني” لوضع حل، لاننا اليوم امام فجوة كبيرة، على المجلس سدّها. الفكرة هي في وضع الاطار وتحديد السقف، من دون العودة الى الصفر، لاننا نتخوّف من ان نصرف ما اقرّ من دون ان نحصل حتما على ما اقرّ داخل اللجان”.
واعتبر حماده ان “الحكومة الحالية صامتة”، مما استدعى ردا من سلام قائلا: “التقصير ليس من الحكومة. نحن لم نقصرّ في جواب ولا في مناقشة.
هكذا انتهى اليوم الماراتوني من المناقشات الجوفاء، وبقي مصير آلاف الموظفين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين، رهن الاتفاقات المجهولة، فيما السؤال المصيري: من باع من بالامس، ولماذا المغالاة في الكلام على اعطاء الحقوق، اذا كنا دولة بلا اموال، او بالاحرى، دولة لا يريد مسؤولوها افقار انفسهم؟!”.

“سلامة لا يجيد العربية؟”
لفتت مداخلة للنائب علي عمار وجّه فيها سهامه الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اذ قال: “الحاكم لا يعرف الفرق بين التجزئة والتقسيط”.
فاستنفر نواب داخل القاعة، رافضين هذا الكلام. واكمل عمار مداخلته بنبرة غاضبة وصوت عال: “أسمعوا، انا سألته، فقال لي لا اعرف اللغة العربية. كفى تضليلا. لا أحد ياكلنا راسنا”.
والسؤال، هل بدأت معركة الرئاسة من باب السلسلة؟

السابق
الجيش السوري يطلق معركة في حمص القديمة
التالي
الكشف عن ملابسات جريمة محمد إبرهيم في أعالي زحلة