«حروب أهلية» صنيعة «الحرب الباردة» الجديدة

بقيت «الحرب الباردة»، باردة بين قطبيها، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. تنافسا وتزاحما، لكنهما لم يتواجها. الخوف من الشتاء النووي الجليدي، منعهما من الصدام. دائماً بقي التصعيد بينهما وراء الخط الأحمر.
أزمة الصواريخ في كوبا، شكلت المثال الصارخ على فن التوقف عند حافة الهاوية وانتزاع المواقف والمكاسب. الصواريخ السوفياتية عادت الى مخازنها، لكن كاسترو استمر وعاش حتى اليوم رغم الحصار الأميركي.

الحرب الباردة، عاشت ونمت. أكثر من مائة «حرب بالوكالة» اشتعلت. أهمها واكثرها تجسيداً هي حرب فيتنام. الشعب الفيتنامي دفع مليون ضحية ودمار البلاد. الأميركيون خسروا عشرات الألوف من القتلى والجرحى والمعوقين.

لم تبق حرب فيتنام «حرباً بالوكالة» لأن الأميركيين اضطروا للانخراط فيها بعدما انزلقوا من موقع الخبراء الى محاربين. الروس والصينيون قاتلوا بالفيتناميين والكمبوديين. الشعوب الفقيرة شكّلت «لحم المدافع» باسم التحرر والاستقلال.

القرن الواحد والعشرون، يعيش «حرباً باردة» بين أميركا وروسيا. ليس بالضرورة أن تكون هذه الحرب نسخة مطابقة لما قبلها. الظروف مختلفة. روسيا ليست الاتحاد السوفياتي. حتماً الولايات المتحدة الأميركية اليوم ليست كما كانت في القرن الماضي. «الأوبامية» تكاد تنزع آخر «أنياب» تلك الامبراطورية أو التي يطلق عليها، «الامبريالية».

انه زمن «الحروب الأهلية»، وهي أقذر الحروب وأكثرها دموية. انها حروب بلا أخلاق ولا قواعد ولا رحمة ولا ايديولوجيات، ولا دين لها رغم كل مظاهر الايمان العلنية التي هي وليدة التعصب والرجعية. حيث من الممكن أن يقاتل الأخ أخيه. حالياً يعيش العالم على وقع حروب أهلية مشتعلة، وحروب كامنة، وحروب يتم «طبخها» في مراكز متخصصة في تفكيك «فسيفساء» الأوطان والشعوب.

الحرب في سوريا، هي المثال الصارخ وهي ليست اليتيمة. قراءة هذه الحرب منذ بدأت احتجاجات، فثورة مدنية فانزلاق نحو العسكرة، تحت عنف القمع الدموي وصولاً الى حرب لا يمكن تحديد مواصفاتها بدقة. لأنها خليط من «اللبننة» و»العرقنة» وحتى «الصوملة». الحسم فيها ممنوع والانتصار فيها مستحيل. انها حرب مفتوحة ومشرّعة على كل الاحتمالات، لأنها حرب استنزافية. مثل الحرب السورية حروب كثيرة وان بصور مختلفة ومنسوب من العنف مختلف أو أقل. ومضبوط ومنضبط أو مندفع مثل كرة الثلج.

هذه الحروب، مثل «صخرة سيزيف«، كلما وصلت الى القمة تدحرجت الى الوادي. من العراق الى اليمن فمصر والسودان والبحرين والجزائر. أيضاً إيران حيث يشتعل الصراع المذهبي والقومي في ولاية سيستان بلوشستان حيث سلمت الحدود الى «الحرس الثوري«. الرئيس حسن روحاني يزورها اليوم للاطلاع على الوضع مباشرة. ايران تعرف معنى وخطر «الحرب الناعمة» لأن فيها ما يكفي من «كرات النار« القومية والمذهبية المؤججة التي يمكن أن تنجو «سورنتها». أفغانستان التي تخرج من حرب لتدخل في أخرى. الأميركيون سينسحبون. ايران تتقدم لتأخذ مواقعها في «حديقتها الخلفية». حرب جديدة تُعدّ فيها وضدها. إذا فاز عبدالله عبدالله، لن يتحمل البلوش تحالف الطاجيك والهزارة الشيعة.

أيضاً افريقيا بكل ما فيها من «كرات نار» تنتقل عبر الحدود المصطنعة والتي أضيف إليها «بذور الشر« الطائفية. لا شك أن انتشار «القاعدة» تحت مسميات مختلفة في غرب أفريقيا وتمدد هذا «السرطان» الى قلب افريقيا يهدد الجميع.

أخيراً أوكرانيا. مثال صارخ على حرب أهلية من نوع جديد قديم. حرب يوغسلافيا فتحت الأبواب نحو الحروب التقسيمية والانتقالية. أوكرانيا مرشحة لحروب أهلية طويلة، وهي ستفتح الأبواب في المنطقة لحروب أخرى، اقليم كاراباخ مثال صارخ على الألغام المزروعة.

روسيا وأميركا، خاضتا الحرب الباردة الأولى بخسائر بشرية محدودة وخسائر مالية باهظة. «الحرب الباردة» الحالية، تكاد تكون حروباً بلا كلفة بشرية للأميركيين والروس معاً. أما الكلفة المالية فما زالت محدودة حتى الآن. كل فريق يسجل لنفسه و»للاعبيه» النقاط الى حين يأتي الوقت المناسب للجمع والطرح، فالمؤتمرات المنتجة لاتفاقات تنهي الحروب، ولا تئد الأحقاد.

الغريب ان الشعوب الصغيرة لم تتعلم شيئاً من الماضي، ما زالت مستعدة للانخراط في لعبة طويلة دامية ودموية. أكبرها ليس أكثر من «حصان» على رقعة الشطرنج، أما الآخرون فمجرد «بيادق» لا أكثر ولا أقل تتم التضحية بهم لتسجيل المكاسب أو تحضيراً للكمائن القاتلة.

السابق
عمال الكهرباء في النبطية توقفوا عن الصيانة
التالي
وثيقة تاريخية.. مقترح لإقامة دولة يهودية شرقي السعودية