13 نيسان: تنذكر ما تنعاد؟ ها هي تنعاد

حرب لبنان
مرّت علينا الحرب الاهلية وما قبلها وما بعدها من اجتياحات اسرائيلية وسيطرة لقوات الردع السورية ولم نتعظ بعد. واليوم نعيش اقصى ما يمكن من حرب وهي الحرب المذهبية. ونتذكّر الحرب كما لو أنّها انتهت؟

انطلقت شرارة الحرب الأهلية في لبنان في 13 نيسان 1975، وأوشكت أن تقلب هذا النظام وتحدث تغييرا جذريا في البنى السياسية في لبنان. التقت حينها عوامل داخلية مع العوامل الاقليمية والدولية مؤسّسةً لاندلاع الحرب. فتغذّت المعارضة الشعبية الواسعة لما سمي بـ”نظام المارونية السياسية”، بالوجود الفلسطيني المسلّح الذي اتخذ لبنان محطة للصراع ضد العدو الصهيوني، محاولا تعزيز نفوذه على حساب اطراف لبنانية أساسية. كلّ هذا دفع أطرافا اقليمية ودولية لاستغلال هذا الصراع من اجل تصفية القضية الفلسطينية.

في الواقع ساعد الوجود الفلسطيني الفاعل في رفع مستوى التحدي الشعبي للنظام الطائفي، في ظل الاهمال المتواصل لمناطق اعتبرت حتى مطلع الحرب الأهلية مناطق تابعة ضُمّت إلى لبنان، كالبقاع والجنوب والشمال. وهي مناطق ظلّت، ولا تزال، مناطق محرومة من أغلب الخدمات، ليتحوّل بذلك الحرمان الى سبب داخلي لاندلاع الحرب على خلفية تغيير النظام الطائفي.
ورغم كلّ ما جرى من حرب ودمار وقتلى وتهجير، لم يتغير نظام المحاصصة الطوائفي، بل تطور، ليفسح المجال لبروز قيادات طائفية تتحالف مع مشاريع معادية للمصالح اللبنانية والعربية، حتى كاد لبنان، وفي لحظة سياسية عصيبة ان يقف على فوهة بركان حرب أهلية متجددة نموذجها العراق، غايتها إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة لتتناسب مع المصالح الصهيونية.
لذا، لا بد من مسار صعب ومعقد لاعادة انتاج الوحدة الوطنية، وبناء الدولة العادلة، ولحصول ذلك لا تكفي كل مقولات التوعية والتذكير بأهوال الحرب الأهلية.

فلا بدّ أن يعمد اللبنانيون الى انجاز التغيير الذي يحول تماما دون تجدد النظام الطائفي، ويمنع بالتالي امكانية تجدد الحرب الاهلية لانجاح هذا المسار.

كيف؟ هذا السؤال الذي يدورفي اذهان جميع من جرّب ويلات الحرب المتنقلة من حيّ الى حيّ، ومن زاروب الى زاروب، ومن محور الى محور، ومن قرية الى اخرى…

أصابت الحرب آلاف العائلات اللبنانية بمآسي كبرى سببتها اعمال القتل والخطف والتشريد فضلا عن استفحال حالات اليتم والعوز والحاجة والفقر والتسكع على ابواب السفارات. بل وصل الامر بالبعض ان يبيع فلذات اكباده ليؤّمن لهم العيش في اي بلد يستقبلهم وفي اي حضن آمن يضمهم.

إضافة الى الخسائر الكبيرة في الارواح والطاقات والموارد والهجرة الكبيرة للبنانيين، كذلك انهار الاقتصاد وهبطت قيمة العملة اللبنانية، فانتشرت السرقات والتعديات، واحترف الشباب حمل السلاح ليحموا انفسهم، وليعتاشوا من موارد الميليشيات التي ضربت الدولة اللبنانية من جذورها، وذلك بعد ان سقطت القضايا الكبرى التي حملتها الاطراف المتقاتلة.

لكنّ المفارقة انه وبعد ايقاف الحرب في العام 1990 من خلال عقد اتفاق الطائف، عادت الميليشيات بوجوه سياسية مدنيّة، وجرى طمس الماضي الاليم دون اية محاسبة وعاد كل يكمل حياته (ولا من شاف ولا من دري) كما يقول المثل الشعبي.

ماتت امهات وارتحل آباء بحسرة ابنائهم، وعاد الزعماء الصغار ليكملوا ما بدأه آباءهم. فهل هكذا نؤسّس لبناء وطننا؟ وأين المراجعة الحقيقية للذات؟ وأين البحث عن أسباب الحرب؟ أين النقد الجذري لما حصل؟ أين استخلاص الدروس والعبر الكافية لعدم تجدّد حرب مماثلة؟

رغم كل ذلك هناك من لازال يقول: “تنذكر ما تنعاد”. حملة لم تُؤتِ أكلها بعد ولم يتم اغلاق ملفها، وهي تبدو حملة ساذجة. إذ لا تزال الحرب جرحا نازفا يهدّد حياة الوطن، ولا محاولة لاستخلاص الدروس والعبر من حرب اختتمت في العام 1990 بأكثر من 200 ألف قتيل و17000 مفقود ومئات آلاف الجرحى والمعوّقين ومئات المؤسسات المدمّرة… وما هو آتٍ آت.

السابق
يا منتهِك منزل علي الأمين..من يحمي منزلَكَ غدا؟
التالي
ورشة عمل لـ’تجمع لبنان المدني’: لربيع لبناني يعيد انتاج طبقة سياسية تلتزم إطار الدولة