لقاء تسوية بين نادر الحريري وراغب قباني

ذهب الرئيس فؤاد السنيورة حتى النهاية في حربه على مفتي الجمهوريّة الشيخ محمّد رشيد قباني. حفر «دولته» في الصخر ليعيد قباني إلى «بيت الطاعة الأزرق». الخلاف الذي بدأ على تعديلات المرسوم 18/1955، التي تُحجِّم دور مفتي الجمهوريّة، لم ينته بتمديد «المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى»، المنتهية ولايته، لنفسه من دون حضور قبّاني وبمباركة مباشرة من «ساكن السادات تاور».

وبعد التمديد والعيش في كنف مجلسين شرعيين، تدحرجت «كرة الثلج».. قلّب رئيس كتلة «المستقبل» في «أرشيفه»، وانتشل «الملف المالي لقباني»، الذي كان قد أقفل منذ أكثر من سنتين. أعاد تعويمه ليتّهم قباني ونجله بارتكاب اختلاسات ماليّة، بالرغم من أن القضاء لم يصدر حكماً واحداً يدين به المفتي ونجله.
«الملف المالي» لم يكن «السلاح الوحيد» الذي جوبهت به «دار الفتوى»، بل وصل الأمر ببعض المشايخ والقضاة (الذين يؤلفون الهيئة الناخبة) إلى توقيع عريضة لعزل قبّاني وانتخاب مفتٍ آخر، بإيحاء من السنيورة الذي حمل لواء العزل بمشاركة بعض رؤساء الحكومات السابقين. الأمر سيّان بالنسبة لإقدام بعض القضاة الشرعيين على رفع دعوى قضائية لكف يد «سماحته» عن «وقف العلماء السنّة».
ومن القضاء والمحاكم ورفع الغطاء الرسمي عن بعض قرارات قباني، انتقلت المعركة سريعاً إلى الشارع، حيث حاصر بعض المحسوبين على «المستقبل» في «مسجد الخاشقجي»، المفتي، خلال الصلاة على جثمان الشهيد محمّد الشعار.
3 سنوات مرّت والعلاقة بين «المستقبل» وقبّاني تنتقل من سيء إلى أسوأ، حتى اقتنع البعض أن الأمور وصلت إلى نقطة اللاعودة، حيث لم تعد تنفع التسويات السياسية لوصل ما انقطع، لا سيّما وأن مفتي الجمهوريّة على عتبة انتهاء عهده وسيكون خارج «عائشة بكّار» بعد حوالي الخمسة أشهر.
كل ذلك صار اليوم قيد البحث، بل يبدو جلياً أن السنيورة انسحب من المعركة، طوعاً أو كرهاً، برغم ترجيح الثانية. لا يدري «دولته» كيف سيبرّر لكلّ الذين حضّهم على «رفع الحدّ» على قباني، أن الملف خرج من يده، وأن «المستقبل» سيعود في القريب العاجل إلى «عائشة بكار» وكـ«السمن على العسل».
في التفاصيل، تكشف مصادر موثوقة أن مستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري التقى منذ حوالي الشهر (في منتصف آذار) نجل المفتي الشيخ راغب قباني في «بيت الوسط»، وتناقشا في أزمة دار الفتوى. هذا الأمر يؤكّده راغب قباني، ويشير إلى أن «اللقاء مع الحريري كان أكثر من ممتاز، وهذه اللقاءات ستستمرّ ولن تتوقّف».
قباني، الذي يرفض الإفصاح عن تفاصيل هذا الاجتماع، يقول: «شعرنا بالاطمئنان بعد لقاء الحريري بأنه سيكون لدار الفتوى فرصة للخروج من دائرة الخطر».
أما عن أسباب انفتاح «التيار الأزرق» على مفتي الجمهورية، فيرى البعض أن قباني لم يحيد عن مواقفه قيد أنملة، بل سعد الحريري أعاد التفكير في الأمر بكثير من البراغماتية. رئيس «المستقبليين» أدرك بعد ثلاث سنوات أن هجمة التكفيريين والفتنة السنية ـ الشيعيّة بدأت تهزّ صورته شعبياً. وبالتالي صار لزاماً عليه أن «يقوِّي عود» المشايخ المعتدلين في مواجهة المتطرفين.
ويقول البعض إن موضوع «المصالحة» مع قباني يتزامن مع التسويات في لبنان والمنطقة، كما أنه تبلور خلال زيارة سعد الحريري إلى مصر، حيث فاتحه الفريق الأوّل عبد الفتّاح السيسي بالموضوع. بالنسبة للسيسي، إن قباني هو ضمانة الشارع السني بوجه السلفيين و«الإخوان»، ولم يعد أمام مفتي الجمهوريّة سوى بضعة أشهر. وهذا ما أقنع الحريري الذي يخشى من الوصول إلى مفتيين للجمهورية كما حصل بموضوع المجلس الشرعي.

ماذا دار خلال اللقاء؟

وعن تفاصيل اللقاء، تشير مصادر مطلّعة إلى أنّ التواصل بين الطرفين بدأ بعد زيارة قامت بها شخصية مقرّبة من المفتي ومحسوبة على «تيار المستقبل» لدار الفتوى، حيث أبلغ الأخير سلاماً من سعد الحريري لـ«سماحته»، ليردّ الأخير بالمثل. وأكدت هذه الشخصيّة أن «الحريري لا يعرف كيف تطوّرت الأمور لتصل إلى هذا الدرك، بالرغم من أن محبّتنا واحترامنا لمفتي الجمهوريّة معروفة. فهو منّا وفينا».
بعد رسالة الحريري، تحرّك الوسطاء على خطّ «بيت الوسط ـ دار الفتوى» لفتح الطريق بين سعد الحريري ومفتي الجمهوريّة، حتى حصل اللقاء بين نادر الحريري وراغب قبّاني، لينتهي بالاتفاق على موعد جديد والتواصل الدائم عبر مقربين لنقل الرسائل المتبادلة.
وتلفت هذه المصادر الانتباه إلى أن الحريري كان أكثر من إيجابي خلال هذا اللقاء، وتحدّث مع نجل المفتي بكثير من الصراحة والشفافيّة، مع تشديده على ضرورة «حفظ المفتي بشخصه ومقامه».
وتوجّه مستشار رئيس «التيار الأزرق» إلى قباني قائلاً: «نحن ودولة الرئيس لم ننس العلاقة الممتازة التي كانت تربط الرئيس الشهيد رفيق الحريري بسماحته، كما أننا لم ننس بعد وقوف مفتي الجمهوريّة إلى جانبنا في أحلك الظروف، ولا سيما بعد استشهاد الحريري. فقباني هو واحد من العائلة بالرغم من كلّ الذي حدث خلال السنوات الماضية».
وأضاف الحريري، بحسب المصادر: «أسباب الخلافات التي حصلت ليست واضحة تماماً، ولكنها في كلّ الأحوال لا تجوز، وما يعنينا اليوم هو إعادة الدور للطائفة ولمفتي الجمهوريّة، وإخراج دار الفتوى والأوقاف الإسلاميّة من الأزمة الحاليّة، إذ أننا نعمل من أجل مصلحة الطائفة السنيّة وليس لمصلحة الأشخاص كأشخاص».
وتؤكّد المصادر أنّ الحريري كان واضحاً، ولم يحمّل السنيورة مسؤولية تدهور العلاقات، بالرغم من تلميحه إلى أنّ «رئيس الكتلة الزرقاء كان حَكَماً ثم تحوّل سريعاً إلى صاحب رأي». وجلّ ما أشار إليه الحريري أن الملف أضحى في عهدته وسيحاول أن يكون حَكَماً، مشدداً على أنّه «قادر على إنهاء الأزمة الحالية، من دون الغوص بالتعديلات على المرسوم 18، وتأمين حلّ يحفظ ماء وجه جميع الأطراف لتأمين مصلحة الطائفة والدار».
وتشير المصادر إلى أن الرؤية بين الطرفين كانت متقاربة، لافتةً الانتباه إلى أن موضوع التجديد لمفتي الجمهوريّة ليس مطروحاً على بساط البحث بين الطرفين. في حين تذهب أوساط دار الفتوى إلى أبعد من ذلك، مؤكدةً أن «قباني يرفض الخوض في موضوع التجديد، بل هو لن يعارض إذا ما اتفق المعنيون على انتخاب مفتٍ جديد قبل 15 أيلول (أي قبل انتهاء ولايته)».
ولا تستبعد المصادر عينها أن تتوّج اللقاءات بزيارة يقوم بها نادر الحريري إلى مفتي الجمهوريّة في دار الفتوى، معتبرةً أنه لم يعلن عن اللقاء لاستكمال كافة التفاصيل «من دون أن يعني ذلك أن الأخير محرج من الكشف عنه».
لا ينفي هؤلاء أن السنيورة والمتضرّرين من التقارب بين قباني والحريري حاولوا عرقلة التوافق، غير أن نادر الحريري لم يُعر ذلك اهتماماً، فأثبت أنه لن يتراجع وسيمضي قدماً لـ«سحب رأس» التسوية.
في الخلاصة، البعض يؤكّد وجود الموضوع «ديل» من تحت الطاولة، وإنما الحريري يحاول أن يصلح ذات البين. في حين أن البعض الآخر لا يأمل أن تتوصّل اللقاءات إلى «نهاية سعيدة».

السابق
كيف تبدو البشرية من الجو؟
التالي
مستخدمي «فيسبوك» في الهند 100 مليون