كيف انتهت مرحلة إسقاط الأسد؟

أطل السيد حسن نصرالله بداية الأسبوع في حديث شامل قارب فيه الملفات اللبنانية والسورية والإقليمية، والصراع مع “إسرائيل”، وكان لافتاً في الحوار تأكيده أن مرحلة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد قد انتهت، وقد ترافق هذا التأكيد مع تأكيد الأسد أن العمليات القتالية ستنتهي خلال هذا العام.

واقعياً وموضوعياً، هل انتهت إمكانية إسقاط الأسد فعلاً، أم أن الأمر مجرد رفع معنويات الجمهور الداعم للنظام السوري، كما يقول بعض المعارضين أو الداعمين للمعارضة السورية في لبنان؟

للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من دراسة الوقائع، وكشْف مكامن الخطر الذي تَهدَّد رأس الدولة السورية، وهدَّد بإطاحته في وقت سابق:

-الدعم الدولي: وهنا يكون السؤال المشروع: هل فعلاً ما زالت الولايات المتحدة الأميركية ترغب بالإطاحة بالأسد؟ يبدو من الأخبار التي أُعلنت عن لقاء الرئيس أوباما بالملك السعودي أنه لا رغبة لدى الأميركيين بذلك، ولا رغبة لديهم بتغيير موازين القوى على الأرض، لعدم ثقتهم بالمعارضة التي يدعمونها.

علنياً، يمكن القول إن الدعم الدولي لكل من المعارضة والنظام السوري لم يتبدّلا، فلم نشهد أي تغيُّر في المواقف الداعمة أو انقلاب دولة بين الفترتين الأولى والثانية للصراع، وهكذا إن الحدّ الذي يمكن أن تذهب إليها الدول في التدخل لصالح حليفها يرجّح كفة النظام على المعارضة. نلاحظ مثلاً أن جبهة الدعم الدولي الداعم للنظام تنسّق الجهود والمواقف بشكل يوحي وكأنها تملك غرفة عمليات مشتركة، بينما تتباين مصالح الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة، والتي دخلت في صراع وجودي بين بعضها البعض، أما الدول الغربية الداعمة للمعارضة فباتت تعيش قلقاً من الإرهاب المتفشي في المعارضة التي تدعمها أكثر ما يقلقها بقاء الأسد على رأس النظام في سورية، وقد يقول قائل إنها – تبدو – وكأنها تفضّل بقاء الأسد، وفيما لو أعطاها جزءاً من المكاسب مستقبلاً فهي قد تدعمه ليقضي على الإرهابيين الذين أدخلتهم إلى سورية لقتاله.

-الميدان السوري: لا شكّ أن الحرب في سورية مرّت بفترات مختلفة؛ من حيث السيطرة على الميدان، والتفوق فيه، ونلاحظ من خلال التقارير المختلفة أن المرحلة الأولى من الحرب، وهي الفترة التي شهدت التفاوض على “جنيف-1” وإقراره، كانت فترة “صمود” للنظام السوري، لكن الميزان العسكري لم يكن مائلاً لصالحه بشكل يجعله يفرض ما يناسبه في المفاوضات الدائرة في جنيف، لذا خرج بيان جنيف الأول لصالح المقاتلين أكثر مما هو لصالح النظام.

أما اليوم، وبعد سلسلة من المصالحات التي أخرجت أعدادًا لا بأس بها من المسلحين السوريين من المعركة، بالإضافة إلى الانتصار في المعارك الهامة التي قلبت موازين القوى على الأرض، وأهمها معركتا القصير والقلمون، والسيطرة على مجمل المناطق المحاذية للبنان، وإقفال “الأوتوستراد” التهريبي للأسلحة والرجال والعتاد الذي كان مفتوحاً بين لبنان وسورية، وبعد دخول الجيش العراقي في حرب على الإرهاب في المحافظات المحاذية لسورية، فإن الميزان العسكري بات يميل إلى صالح النظام السوري وحلفائه ولو كانت المعارك ما زالت تسير بوتيرة مرتفعة في بعض المناطق.

-الجبهات الداخلية لكل من المعارضة والنظام:  شهد الجيش السوري و”حزب البعث” في الفترة الأولى من الحرب على سورية انشقاقات هامة، ولو لم تكن واسعة النطاق بشكل يؤدي إلى إسقاط النظام أو انقلاب الجيش عليه، وبعد مرور الفترة الأولى ظهر وكأن الجيش و”حزب البعث” “نظّفا” نفسيهما وباتا أكثر تماسكاً.

في المقابل، شهدت الجبهة الداخلية للمسلحين والمعارضة انشقاقات واختراقات واسعة، وتبدّل القيادة التي انتقلت من “الإخوان المسلمين” بقيادة تركيا وقطر إلى السعودية، كما أدّى تباين المصالح إلى اقتتال داخلي بينهم، أما دخول الإرهابيين إلى خط المواجهات، وترحيب القيادات المعارضة بهم – وهو خطيئة كبرى قضت على الثورة السورية – فكان العامل الأكبر في تقويض الدعم الشعبي الداعم لهم، وفي تفكك الجبهة الداخلية للمعارضة.

لكل هذه الأسباب، بالإضافة إلى الدعم الشعبي الذي تزايد بعد فورة الإرهاب المنتشرة في سورية، وعدم إمكانية التدخل الخارجي عبر مجلس الأمن أو حلف “الناتو”، قُطع الطريق على المغامرات الخارجية للدول الإقليمية.

إذاً، قياسًا على هذه المعطيات، يبدو السيد نصرالله مُحقاً في “تبشيره” بانتهاء مرحلة إسقاط الأسد، وما على المعارضة السورية التي لم تلوّث يديها بدماء السوريين إلا أن تلتقط الإشارات وتدخل في مرحلة إعداد نفسها للدخول في حكومة موسّعة بعد الانتخابات الرئاسية، وأما تلك الداعمة للإرهاب، والتي حرقت الجسور بقبولها أن تكون رأس حربة في المشاريع الخارجية، فلا يبقى لها إلا أن تفكّ ارتباطها بالإرهاب، أو يكون مصيرها كمصير برهان غليون أو ميشيل كيلو المحسوب على بندر بن سلطان، والذي تمّ تحويله إلى التقاعد مبكراً في اجتماع “الائتلاف السوري” الذي حصل بداية الأسبوع.

السابق
ريابكوف: هناك إمكانية للتوصل لاتفاق شامل بين السداسية وإيران
التالي
قتلت عشيقها بـ25 طعنة من كعب حذائها