حق الفلسطينيين في اللجوء إلى الأمم المتّحدة

أثارت الخطوات التي اتّخذها محمود عباس من أجل انضمام فلسطين إلى 15 هيئة تابعة للأمم المتّحدة ردود فعل من أعضاء عدّة في الكونغرس الأميركيّ، وخصوصاً، من السفيرة الأميركيّة لدى الأمم المتّحدة التي يبدو أنّها فقدت حسّ المنطق.

فقد أعلنت السفيرة أماندا باور في 2 نيسان أمام لجنة فرعيّة تابعة لمجلس النوّاب الأميركيّ أنّ «الولايات المتّحدة ستقف إلى جانب إسرائيل، وسندافع عنها ونطعن بكلّ حالة من حالات المعاملة المجحفة في نظام الأمم المتّحدة بأسره… ويشمل هذا الالتزام الجديّ معارضة شديدة لأيّ تحرّك أحاديّ على الساحة الدوليّة، بما في ذلك التحرّكات المتعلّقة بإقامة الدولة الفلسطينيّة، يتمّ القيام به من باب التملّص من النتائج التي لا يمكن التوصّل إليها إلا من خلال تسوية متفاوض عليها، أو من باب الحكم عليها مسبقاً». ألا يمكن أن يمرّ الفلسطينيّون بالأمم المتّحدة إذا فشلت المفاوضات الفلسطينيّة الاسرائيليّة الحاليّة، كما هي الحال حتّى هذه الساعة؟ هل جرت مفاوضات بالفعل بالمعنى الحقيقيّ أو القانونيّ؟
يشكّل إعلان باور، الذي يهدف إلى حرمان «منظمة التحرير الفلسطينيّة» وغيرها من حقّ دخول الأمم المتّحدة بصفتها مرساة للقانون الدوليّ، تهديداً لجميع أعضاء الأمم المتّحدة الذين التزموا ولا يزالون بمناصرة حقوق الشعب الفلسطينيّ، كما سبق أن فعلوا من أجل آخرين بالاعتراف بحركاتهم التحريريّة الهادفة إلى تحقيق الاستقلال وإقامة دولة.
لقد أطلقت باور هذا التصريح الوقائيّ بلهجة تهديديّة جديدة من نوعها. ويطرح إعلانها أنّ الولايات المتّحدة «ستطعن بكلّ حالة من حالات المعاملة المجحفة» سؤالاً واحداً وهو: ما هو المجحف؟ إنّه إلحاق إسرائيل المستمرّ والزاحف للأراضي الفلسطينيّة. إنّه رفض إسرائيل الاعتراف بأنّها قوّة احتلاليّة. إنّه إعلان إسرائيل، عشيّة زيارة لوزير الخارجيّة الأميركيّة جون كيري، بناء 700 وحدة سكنيّة جديدة في القدس الشرقيّة، وبالتالي تقليصها إلى حدّ كبير أراضي هذه الأخيرة التي من المفترض أن تصبح عاصمة فلسطين إذا بقيت المفاوضات المزعومة المستمرّة منذ أكثر من 20 سنة تحت إدارة الولايات المتّحدة الحصريّة. إنّ التهديد بمنع الفلسطينيّين من النفاذ إلى سبل لتحقيق الاستقلال خارج إطار الرعاية الأميركيّة مثير للدهشة والذهول.
إلى متى ينتظر الفلسطينيّون أن تقنع الولايات المتّحدة إسرائيل بالاعتراف بحقوقهم الشرعيّة؟ إلى متى يتمنع الفلسطينيّون عن التحرّك ردّاً على «الفيتو» الوقائيّ الإسرائيليّ ضدّ حقّهم في اللجوء إلى آليات الأمم المتّحدة من أجل إقامة الدولة الفلسطينيّة وتحقيق الاستقلال والسيادة، تماماً كما اعترفت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة بإسرائيل دولة في داخل فلسطين في تشرين الثاني 1947؟
لقد آن الأوان للردّ بوضوح على باور التي أعلنت أيضاً أمام اللجنة أنّها «ستعترض على أيّ محاولة تهدف إلى رفع شأن الفلسطينيّين أينما كان في الأمم المتّحدة». بالإضافة إلى ذلك، كشفت أنّ «فريقاً أميركياً إسرائيلياً تشكّل حديثاً يجتمع شهرياً لمناقشة كيفيّة الردّ في حال قام الفلسطينيّون بتحرّك أحاديّ في الأمم المتّحدة»، محذّرة من أنّ «لجوء الفلسطينيّين المحتمل إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة سيشكّل خطراً جسيماً على إسرائيل وسيكون مدمّراً لعمليّة السلام». وهنا أسأل باور: لماذا؟ هل أنتِ قلقة من عواقب قرار ما؟ لم يصدر عباس أيّ تصريح بشأن المحكمة الجنائيّة الدوليّة، لكن فلنفترض أنّ الفلسطينيّين لجأوا إلى المحكمة، لماذا قد يكون ذلك «مدمّراً»؟
ما يجدر على السفيرة باور أن تعرفه هو أنّ «عمليّة السلام» كانت، منذ «اتّفاق أوسلو»، مدمّرة لسعي الفلسطينيّين إلى السلام والاستقلال وحقوق الانسان. فقد اختبر الشعب الفلسطينيّ الذلّ بسبب الغزو وتعب من وعود السلام ومن حرمانه حقّ تقرير المصير.
في هذا السياق، يطرح السؤال الآتي نفسه: إذا كان بإمكان الأمم المتّحدة أن تشكّل منفساً لمنح الفلسطينيّين حقوقهم الوطنيّة وحقوقهم كبشر ضمن إطار القانون الدوليّ، وأن تقوم بتفعيل مئات ومئات القرارات الصادرة عنها والتي تعترف بحقوقهم، هل ستعترض الولايات المتّحدة على ذلك؟ لا أعتقد ذلك. إنّ ضربة باور الوقائيّة الهادفة إلى منع الفلسطينيّين من النفاذ إلى وكالات الأمم المتّحدة لضمان منفس لهم والحدّ من خيبتهم الجماعيّة، لا ينبغي أن تفسَّر بأنّ الولايات المتّحدة ستستمرّ في الاستجابة للمطالب الاسرائيليّة نظراً إلى العلاقة المميّزة التي تربطها بإسرائيل.
وحتّى لو أراد الجناح التنفيذيّ في الحكومة الأميركيّة المساعدة على منح الفلسطينيّين حقوقهم الوطنيّة، من المحتمل جدّاً ألا ينجح ذلك، نظراً إلى دعم الكونغرس المتواصل لإسرائيل والسماح لها بالاستمرار في نشر مستوطنات في الأراضي المحتلّة. فقد قالت النائبة الجمهوريّة عن ولاية تكساس، كاي غرانغر، لـ«المونيتور» إنّه ينبغي إعادة النظر في المساعدات التي تخصّصها الولايات المتّحدة للسلطة الفلسطينيّة والبالغة قيمتها حوالى 500 مليون دولار. وزعمت أنّ لجوء الفلسطينيّين إلى الأمم المتّحدة يتعارض مع هدف المساعدات الأميركيّة منذ التسعينيّات، ألا وهو عقد صفقة من أجل السلام. فمع أنّ المساعدات الأميركيّة مرحّب بها وتعبّر عن سخاء الولايات المتّحدة، إلا أنّه لم يتمّ عقد أيّ صفقة سلام منذ أوائل التسعينيّات! أمّا النائبة عن ولاية نيويورك، ونظيرة غرانغر الديموقراطيّة، نيتا لوي، فقالت إنّ «أملها خاب جداً» من الخطوة التي اتّخذها عباس. لماذا؟ للأسباب التي ذكرتها زميلتها غرانغر على الأرجح.
في جلسة اللجنة الفرعيّة التي حضرتها باور، تمّ التشديد على أنّ القانون الأميركيّ الجديد يتضمّن قيوداً عدّة بشأن مساعدة الفلسطينيّين، بما في ذلك الطلب من السلطة الفلسطينيّة مكافحة التحريض ضدّ إسرائيل والامتناع عن جرّ إسرائيل أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة وعن الانضمام إلى وكالات الأمم المتّحدة. بتعبير آخر، يبدو أنّ تقديم 500 مليون دولار إلى السلطة الفلسطينيّة يمثّل محاولة مستمرّة لمنع الفلسطينيّين من ممارسة حقّهم في دخول الأمم المتّحدة، وللمماطلة أكثر فأكثر، كما هي الحال منذ العام 1993، ما جعل المساعدات الأميركيّة بديلاً عن حقوق الفلسطينيّين الوطنيّة وعن الدولة المستقلّة.
لقد كلّ الشعب الفلسطينيّ من حوار عمليّة السلام المزعومة. فمع أنّهم يقدّرون حماس كيري وزياراته، إلا أنّهم بدأوا يدركون عبثيّة هذه الجهود المستمرّة منذ أكثر من 20 سنة، بينما يكرّر وزير الخارجيّة الأميركيّة النقاط نفسها المستخدمة منذ انطلاق عمليّة السلام حتّى اليوم.
إنّ المخرج الوحيد المتاح أمام الفلسطينيّين هو عبر المنظّمة التي ساعدت الكثير من الشعوب الأخرى التي تحمّلت الاحتلال والحرمان من الحقوق الشرعيّة والاستعمار للحصول على امتيازاتها السياديّة. فالفلسطينيّون يشعرون بأنّ الوقت قد حان كي تساهم أصولهم القانونيّة والأخلاقيّة والتاريخيّة في تحقيق حلم دولة فلسطين المستقلّة التي تعيش بسلام مع جميع جيرانها.
ولباور أقول إنّ تهجمكِ الحماسيّ على أيّ جهد تبذله فلسطين للحصول على المقاعد التي يحقّ لها بها في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة ووكالاتها المتخّصصة، كما هي الحال في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، ليس مخيّباً للآمال فحسب، بل خاطئ أيضاً.

السابق
أي إمكانات لوصول رئيس «صنع في لبنان»؟
التالي
محررو أعزاز يشكرون قطر