المسيحيّون أمام خسارة جديدة

تغيَّرت المنطقة، او هي على مشارف مرحلة جديدة مختلفة جذرياً عن تلك التي إنقضت. الجميع ينتظر نهاية المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران، والانتظار هنا ليس أبداً لتبيان الدخان الذي سينبعث، وكيف سيكون أبيض أم أسود، بل بكل بساطة لتلمّس آفاق التسوية لكي لا نقول الصفقة والخريطة الجديدة للمصالح الكبرى في المنطقة.

في هذه الصفقة ستولد معادلة اقليمية جديدة لا بدّ من أن تلفح لبنان بطريقة او بأخرى، ولو أنّ بعض المبالغين في توقّعاتهم يعتقد أنَّ يد إيران ستطلق بحرية، إلّا أنّ الخبراء يؤكدون أنّ المعالجة الجديدة ستقوم على الإقرار بمصالح إيران ونفوذها في المنطقة، ولكن وفق معادلة التوازن مع القوى الإقليمية الأخرى.

في الأساس، فشلت القوى الداعمة لـ»المعارضات» السورية في تقديم نموذج آمن للمرحلة المقبلة، وبدلاً من أن يتحوَّل الملف السوري عاملاً ضاغطاً على ايران ومهدّداً لـ»حزب الله»، انقلب الأمر لتصبح الساحة السورية مصدر خطر على أمن الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية.

تكفي الاشارة مثلاً الى أنّ بلداً مثل سويسرا حيث الأمراض الاجتماعية هي الادنى ما بين الدول الاوروبية، والنزاعات السياسية هي الاضعف، والتمييز الديني غير موجود، يقاتل نحو خمسين مواطناً (من اصول سويسرية وليس عربية) في صفوف المجموعات المتطرّفة.

ذلك أنّ مجموعات متطرّفة متخصصة باتت منتشرة في كل أرجاء الدول الاوروبية، تستدرج ومن ثم تُجنّد هؤلاء الاشخاص للذهاب الى سوريا عبر بلجيكا فتركيا. والهلع الذي يسود الاوساط الغربية هو من خطر هؤلاء لاحقاً على أمن الدول الغربية.

لذلك مثلاً تصاعد الخلاف ما بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان والادارة الاميركية التي ألحَّت على إقفال منافذ تهريب «المجاهدين» الى الداخل السوري.

صحيح أنّ واشنطن فشلت حتى الآن في توجيه ضربة قوية لأردوغان، إلّا أنّ ذلك لا يعني أبداً تراجعها عن نظرتها الجديدة حيال التعاطي مع الملف السوري، كونه بات يُهدّد الاستقرار الامني الغربي. ولذلك أيضاً زادت واشنطن من تنسيقها الامني والعسكري مع لبنان وأمَّّنت الغطاء المطلوب لإنهاء البؤر الامنية التي كانت تزدهر على خلفية الحرب الدائرة في سوريا.

ويُخطئ كثيراً مَن لا يعتقد أنّ الاتفاق الكبير الجاري صوغه بهدوء وتروٍّ بين واشنطن وطهران لن يلحظ خطة مشتركة للتعاون الامني بما يضمن هواجس الغرب.

وعندما يعلن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أنّ الرئيس السوري بشار الاسد اجتاز خطر السقوط، فهو لا يتحدث فقط من الزاوية الميدانية التي يخوضها الحزب، بل من الزاوية السياسية المستقاة من المفاوضات الدائرة. لذلك أيضاً شجَّعت واشنطن الرياض على ولوج مفاوضات هادئة مع طهران حول المنطقة، ومن ضمنها الساحة اللبنانية بطبيعة الحال.

قبل نحو عام، وتزامناً مع إستقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، شجَّع مسؤول أمني رسمي اللواء اشرف ريفي على فتح أبواب الحوار مع «حزب الله» كقناة آمنة وموثوقة بين الرئيس سعد الحريري ونصرالله.

لكنّ ريفي الذي استمهل بعض الوقت لمراجعة الحريري، عاد وأعطى جواباً سلبياً لتتصاعد الازمة السياسية والجبهات الطرابلسية من بعدها، اضافة الى واقع عرسال. قبله حاول الوزير نهاد المشنوق لكن بلا جدوى أيضاً. كانت المرحلة لا تزال للمواجهة ولا مكان للحوار. اليوم تغيَّر المشهد الّا عند بعض المسيحيين.

فرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يخوض «حلم» الاستحقاق الرئاسي بمفردات الماضي، ويعتقد أنّه سيَجني على الاقل إلغاء المجموعات المسيحية الاخرى المفترضة «حليفة» في «14 آذار».

أو هذا على الاقل ما يعتقده هؤلاء وفي طليعتهم الرئيس أمين الجميّل الذي اعلن ترشيحه عبر الوزير سجعان قزي. جعجع يلوم الحريري لوقوفه بارداً ومتذرّعاً بوجوب عدم تجاوز القوى المسيحية الاخرى.

الجميع يتغيَّر تماشياً مع متغيرات المنطقة، إلّا بعض المسيحيين، فهل من ضرورة للتساؤل لماذا نخسر دائماً؟

السابق
المنار: توقيف سجين فار في طرابلس
التالي
سقوط طفلة من الطبقة الرابعة في صيدا