إلى روح طرابلس

وأخيراً حق لطرابلس أن تستعيد عافيتها وأمنها واستقرارها، وتنفّس الطرابلسيون الصعداء، وأكدت صورة المصالحة التي أقدم عليها شباب التبانة نحو جبل محسن حيث تبادلوا التحية وسط جو من الحبور والغبطة، أكدت هذه المبادرة الصادقة طيبة الطرابلسيين. ومنذ اليوم الأول لتنفيذ الخطة الأمنية وتحررهم من سيطرة السلاح العشوائي ورفضهم للفوضى، واقتناعهم بأن الأجهزة الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي هي الوحيدة التي تحمل السلاح، مع تمنياتهم بأن يعمّ هذا التدبير سائر المناطق اللبنانية وأن لا سلاح سوى السلاح الشرعي، وأنه آن الأوان لأن تحزم الدولة أمرها وتنفذ مذكرات الاستنابة القضائية بحق مرتكبي ومخططي جريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام، وسائر المخلين بالأمن لأي جهة انتموا بعد أن ورّطوا المدينة وسكانها الآمنين دون رادع أو شعور بعاقبة خروجهم على القانون، مما أدى الى تردّي أوضاع طرابلس الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مع الأخذ بعين الاعتبار حقهم في الدفاع عن أنفسهم وحماية منطقتهم من جبروت عصابة الحزب العربي الديمقراطي، الذي أحسنت الدولة صنعاً باعتباره حزباً إرهابياً، وهذه خطوة مشكورة استقبلها الطرابلسيون بالرضى والتأييد.
وبين ليلة وضحاها، انفجرت المشاعر حبوراً وراحة واستعادت عاصمة الشمال بسرعة مبادرتها وحركتها، وعمّت الحركة التجارية سائر الأحياء والمناطق بدءاً من القبة التي سارع أهلها في حي البقار والريفا ومشروع الحريري السكني الى العودة الى منازلهم متفائلين بأن هذه الجولة هي خاتمة مسلسل الجولات الدامية، وأنهم أخيراً لن يناموا قلقين على حياتهم، وأن المدارس والجامعات ستعود لاستقبال طلابها، وستضاعف الجهود للتعويض عما فاتهم من برامج دراسية تخلّفوا عنها في أيام الذعر والقنص والقصف.
هذه الصورة المشرقة كانت بادية الوضوح أيضاً على وجوه أبناء جبل محسن الذين تحرّروا من قيود آل عيد الذين صادروا قرارهم وأثاروا المشاعر المذهبية التي يرفضها المجتمع الطرابلسي ونسيجه المتنوّع، ونهج هذه المدينة الثابت في تأصيل العيش المشترك والسلام الذي يعمّ الجميع بعيداً عن تآمر المغرضين المشبوهين.
وتبدو حقيقة أهل التبانة وترحيبهم بالخطة الأمنية وهم يواكبون عمليات إزالة الدشم والمتاريس ليهرعوا الى محلاتهم المواجهة لشارع سوريا فيعمدوا الى فتحها وترميم ما أصابها من دمار ليمارسوا حياتهم الطبيعية بعد طول احتباس وتعطيل.
وتدبّ الحركة التجارية في أوصال سوق الخضار الذي بدأ يستقبل عشرات الشاحنات المكدسة بالخضار والفواكه توزعها على عشرات المحلات التي تستقبل تجار المفرّق يتسوّقون منتجات الأقضية المجاورة من المنية والضنية وعكار، وتعود زحمة السيارات لتشهد على حيوية السوق واكتظاظه بالمتسوّقين من سائر مناطق طرابلس والشمال.
وأعرب أصحاب المحلات التجارية في التل والزاهرية والسويقة عن راحتهم وهم يستقبلون الزبائن من زغرتا والكورة، وتعود أصوات الباعة تملأ أرجاء السوق فيزداد إحساس الجميع بالطمأنينة والاستقرار.
وفي أسواق العطارين والصاغة والكندرجية والبازركان تزدحم الأرجل كأنها في ليلة عيد وهم مطمئنون الى أنه لن يعود هناك مكان لمسلحين يشتبكون مع بعضهم يروّعون المارة ويعطلون الحركة التجارية ويستقوون بالسلاح ليفرضوا الخوة على أصحاب المحلات التجارية.
إنها عودة الروح الى طرابلس والتي تبدّت أيضاً في تدفق الطرابلسيين نحو الميناء يروّحون عن أنفسهم وهم مطمئنون إلى أنهم سيعودون سالمين إلى ديارهم، وأنه لن يعمد مسلحو الحزب المنحل الى افتعال معركة وأعمال قنص تمنعهم من العودة الى منازلهم.
ويشهد معرض الكتاب الـ 40 في معرض رشيد كرامي ازدحاماً غير مسبوق لزواره برفقة أطفالهم يجولون بين الأجنحة يبتاعون الكتب ويحضرون الندوات وحفلات توقيع الكتب.
وإذ كان مهرجان سباق الدراجات الني أقيم قبيل تنفيذ الخطة الأمنية دليل تفاؤل على إرادة الحياة لدى الطرابلسيين فإن مهرجان ثانوية روضة الفيحاء الذي سيقام يومي السبت والأحد للكبار والصغار في معرض رشيد كرامي الدولي، تأكيداً على رغبتهم في رفض السلاح والغوغاء والفوضى.
إنها عودة الأصالة الى عاصمة الشمال وبداية مسيرتها نحو الاستقرار والأمن والطمأنينة، مع تمنياتهم بأن تستمر مفاعيل الخطة الأمنية بصورة جادة وتستأصل شأفة المشاغبين وأشقياء السلاح.
وإن لطرابلس ديناً على الدولة بأن تعمد الى التعويض عما أصاب أحياء التوتر من دمار وخراب، وتبدأ العمل على تنمية المدينة بصورة سريعة لتشعر هذه المناطق بأن الخطة الأمنية لا تقتصر على إيقاف مسلسل الاشتباكات، وإنما أيضاً على تكريس الإنماء والإعمار ورعاية شبابها بتوفير فرص العمل لهم، حتى نستأصل بعض مسببات هذه الأزمات الى الأبد.

السابق
العراق: كرة الأزمات تسابق الانتخابات
التالي
روسيا وإيران وإيقاظ الحرب الباردة