لا لديمقراطية ملوّنة.. والتوافق كذبة كبيرة

تتحقق الديمقراطية على أيدي ديمقراطيين، لذا تحتاج الدساتير والنصوص الميثاقية والقوانين في كتابتها الى ديمقراطيين حقيقيين في الممارسة والوجدان والأخلاق. والديمقراطية واضحة غير متلوّنة، ولا تلوّن إلا إذا كانت عقول وأخلاق وأيدي المسؤولين الذين يعملون على تحقيقها هي ملوّنة. و"التوافق" هو كذبة يختبىء وراءها المذهبيون في لبنان لتلوين الديكتاتورية الطائفية بغبار الذهب الديمقراطي.

يكمن الخطر في بلدنا بحصر الديمقراطية بـ”التوافقية”. تلك الصيغة التي تكرّس المحاصصة، وتوفر لها الإطار القانوني الذي يمزق المجتمع ويفرق أبناءه. وبالتالي تحول دون تأمين رؤيا موحدة تلبي طموحاتهم. هي وجدت في أوطان هشة، تعشّعش فيها صقور وطغاة ودعاة طائفية. وهم يعزّزون تفريغ الوطن من هويّته وتجريد المواطن من مواطنيته. لا تكتفي “التوافقية” بضرب الكيان في الصميم من خلال نظام انتخابي طائفي يوفر لكل طائفة مقاعدها في البرلمان، بل تعيق عملية الدمج بين الفئات المتعددة في المجتمع وفرصة تمثيلها في البرلمان. وبالتالي فإنّ الديمقراطية “التوافقية” تبعد اللبنانيين عن المسار الديمقراطي الحقيقي وتهمّش المواطنين ويكتم أصواتهم.

ها نحن اليوم، وبعد مضي عشرة أشهر أمام حكومة يسمونها “توافقية”، في وقت هي “تنازعية” ننتظر. بيانها التوافقي بفارغ الصبر للمجيء برئيس جمهورية “توافقي” أيضا.

كذبة هي التوافقية!

ما وجدت إلا ليختبىء وراءها أصحاب المصالح. هي تقضي على أهم عناصر الديمقراطية: التعددية والتنافس السياسي الديمقراطي والتداول السلمي والاحتكام للأغلبية.

لنعترف بأنّ الديمقراطية التي اختبرناها في بلدنا ما هي إلا ديمقراطية إبرام عقود وتقاسم مصالح وتوزيع غنائم.

يحتاج لبناننا إلى نظام سياسي ديمقراطي حقيقي غير توافقي، يحمي وجوده وتنوع فئاته. كما يطمح إلى نظام يسمح للأكثرية بأن تحكم مع الحفاظ على التعددية واعتماد قانون انتخاب منصف وتمثيلي لتعددية جميع المكونات اللبنانية. بمعنى آخر نحتاج إلى ديمقراطية حقيقية غير ملوّنة لبناء مجتمع متصالح مع نفسه.

الديمقراطية تحتاج إلى بيئة نظيفة خالية من الفاسدين والمفسدين الذين لا ينفكون ينحرونها، في وقت تجهد وتكافح دول أخرى في سبيل تعزيزها وتوطيدها.

السابق
النهار: وقف اطلاق الرصاص في شارع زهران في دوحة عرمون
التالي
احتفالات في ساحة رياض الصلح بعد خبر اقرار قانون الدفاع المدني