عندما تتحول الأخبار إلى نشرة هوليودية فاشلة

حالة الهلع التي أثارها تقرير تلفزيوني عن قاتل مفترض في عرمون اللبنانية، تحت عنوان “القاتل الذي أرعب أهالي عرمون”، لم تنتهِ بنفي السلطات المحلية وتشكيك قوى الأمن الداخلي بالرواية. بإمكان التلفزيون أن يحول المخاوف الى وقائع، وأن يضاعف حالات الخوف المجاني… وبإمكانه أيضاً أن يطمئن. غير أن تقريراً مشابهاً للذي عرضته قناة “الجديد” الأحد، لا يقدم بالدرجة الأولى المعلومات الدقيقة، ولا حيثيات هذه الجرائم التي يتحدث عنها التقرير، مثل الإطار الزمني لها. ولا يسأل السلطات المعنية، وهو ما يعد أكبر انتكاسة لمفهوم المسؤولية الإجتماعية في العمل الإعلامي… ويوازي حالات حرب وهمية، تنضمّ الى ثقافة إعلامية تراعي مبدأ “ماذا يريد الجمهور” بما يتخطى مبدأ الحدث.
والحديث عن تقرير “القاتل الذي أرعب أهالي عرمون”، وبثته قناة الجديد الأحد في نشرتها المسائية، ليس محض خيال، على الرغم من أن سياقه، جاء بوليسياً، أشبه بأفلام الرعب الأميركية. الإثارة التي تحققها تلك الأفلام، ظرفية. تنتهي بنهاية علبة “البوشار” في دور السينما. أما الإثارة التلفزيونية في نشرات الأخبار، فتخلق حالة من الفوضى، ترعب أكثر مما تحل مشاكل.. وما كانت الضجة لتنحسر، لولا تعليق قوى الأمن الداخلي التشكيكي، بالقول، في تغريدة مقتضبة، إن المعلومات المتداولة “غير دقيقة”، باسثناء “واقعة واحدة”.

هي الواقعة اليتيمة التي بُنِيَ عليها التقرير. من الواضح أنه يستند إلى خيوط واقعية، قد تكون معلومة غير مكتملة. الغموض الرسمي الذي إكتنف تلك الحادثة، وسّع مخيلة العامة. بنى السكان أحداثاً قد لا تكون دقيقة. وفي هذه الحالة، تلقفت “الجديد” المعلومة، وطوّرتها. إعتمدت على “حكي القرايا” وتجاهلت “حكي السرايا”. تقرير مشابه، يستدعي، بالضرورة، وجهة نظر رسمية. ولو وُجد تصريح واحد في التقرير، ينفي المزاهم، لكان قلل من أهميته. على الأقل، كان ليرسم شكوكاً حول حكي الناس، خصوصاً وأن ثقل التقرير بمجمله، يستند الى تصريح لرجل لم يلتفت إلى الكاميرا وقيل إنه “و.ك” والد الضحية أميرة وشهادة شابة أخرى، تقدم أمام الكاميرا معلومات أمنية خطيرة عن ضحايا القاتل، من دون أن تتكلف القناة حتى بتعريفنا عن اسمها وهويتها وموقعها في الأحداث.

الرعب في عرمون، وازته إشارات جنسية في مواقع التواصل الإجتماعي. تحول التقرير، على مواقع التواصل، الى شيء يشبه الفضائحية. تقرير مكتوب بلغة مرمزة، مليئة بالاستعارات المبالغ فيها: من “قاتل عرمون” إلى “قاتل يرصد ضحاياه من الجنس اللطيف” إلى “فيلم رعب حقيقي”، إلى “طريق الموت” إلى “قاتل الليل الذي يصطاد فريسته”.. كلها تعابير زادت من صدى التقرير الذي لا يزال بأبعاده التخويفية، فاعلاً على نطاق واسع في العالمين “العرموني” والإفتراضي.

بلا أدنى شك، لفت التقرير النظر الى حاجة حيويّة في المنطقة. ربما هي النقطة الأكثر واقعية. جاءت في سياق ثانوي فيه، رغم أنها اساس المشكلة. إضاءة الشوارع، وتقصير البلدية، سبّب بنشر “فيروس” الرعب. ويُضاف ذلك الى محاولة إيقاظ الجهات الرسمية على مخاوف أهالي المنطقة. كانوا يحتاجون الى من يطمئنهم. وما كان ذلك ليتحقق بهذه السرعة، لولا الإضاءة على الظاهرة التي رفعت منسوب الخوف، وبات تبديده ضرورة ملحة.

ووفق المقاربة نفسها، يبدو أن “الجديد” تتعاطى مع الأمر على أنه إنجاز. في خبر بثته القناة على موقعها الإلكتروني اليوم، تفيد بـ”إلقاء القبض على قاتل النساء في عرمون”. لكن ذلك لا يبدو في سياق الخبر، نظراً أن مضمونه ينقل عن مصدر أمني قوله أن “القوى الأمنية ألقت القبض على شخص مشتبه به في محاولة قتل النساء في دوحة عرمون”. المشتبه لا يعتبر قاتلاً، حتى تُثبت إدانته… ولم توضح القناة ما إذا كان المشتبه به، هو نفسه الناطور الذي سبق التحقيق معه، وبقي رهن التحقيق في السابق، على ما ذكرت صحف ورقيّة.

السابق
حكي جردي: المجلس النيابي
التالي
محفوض: سنفض الاعتصام اليوم حتى مساء الأحد