«عرب 48» والمشروع الوطني

من أكثر من باب ونافذة تعود قضايا “عرب 48” (الفلسطينيون داخل اسرائيل) لتحتل موقعها في صدارة الاهتمامات الوطنية الفلسطينية. ما يؤكد للمرة الألف استحالة الفصل بين الحالة السياسية للفلسطينيين داخل اسرائيل، والحالة السياسية للفلسطينيين خارجها. وما يؤكد للمرة الألف ايضاً وحدة مصير الشعب الفلسطيني، ويسلط الضوء في المقابل على نواقص البرنامج الوطني الفلسطيني، الذي همّش إلى حد كبير وضع الفلسطينيين داخل اسرائيل، بل أخرجهم أحياناً من السياق العام للحالة الوطنية الفلسطينية.

فبالأمس احتفل الفلسطينيون بالذكرى الـ 38 ليوم الأرض، وهي عملية تخليد لمحطة تاريخية في النضال الفلسطيني داخل اسرائيل دفاعاً عن عروبة الأرض، وضد سياسة المصادرة التي يقوم عليها المشروع الصهيوني.
وحتى كتابة هذه السطور، مازالت حكومة نتنياهو ترفض الالتزام باطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، وعددهم 29 أسيراً، من بينهم 14 من أبناء الـ 48، جرى اعتقالهم وسجنهم إثر انخراطهم في الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000) ما دفع خبراء الأمن الاسرائيلي الى اعتبار الفلسطينيين داخل اسرائيل الخطر الأكبر على الأمن الاسرائيلي، ولم يترددوا في وصفهم بالطابور الخامس، الذي يعمل في خدمة منظمة التحرير الفلسطينية بشكل خاص. وحتى كتابة هذه السطور، مازال بعض وزراء نتنياهو يهددون بالاستقالة إن هو أطلق سراح هؤلاء الـ 14، حتى لا يشكل الأمر سابقة تعود إلى الربط اليومي بين أطراف الحالة الفلسطينية على جانبي “الخط الأخضر”.
شاء الفلسطينيون أم أبوا، فإنه لا يمكن النظر إلى تعديل قانون الانتخابات التشريعية في اسرائيل، إلا في إطار العمل، ليس فقط على استبعاد الأحزاب اليهودية الصغيرة من الخريطة السياسية تحت قبة الكنيست، بل وكذلك إضعاف واستبعاد التمثيل الفلسطيني العربي في المؤسسة التشريعية الاسرائيلية. فرفع نسبة الحسم لتصل إلى 4 نواب كحد أدنى كشرط لدخول الكنيست، يهدد باخراج القوائم العربية كافة من اللعبة السياسية البرلمانية، إلا إذا توحدت هذه القوائم، في كتلة واحدة.
والمتابعات توضح إلى حد ما أن بين هذه القوائم، وبين اتفاقها على التوحد في لائحة واحدة، لضمان وصول الصوت العربي الفلسطيني إلى الكنيست بالزخم المطلوب، مسافة يحتاج قطعها إلى مشاورات ومباحثات، نعتقد أن الحالة الفلسطينية في الخارج، مرشحة لأن تلعب دوراً ايجابياً في انجاحها، ما يؤكد مجدداً الترابط بين الحالتين، في مواجهة المشروع الصهيوني الواحد.
وشاء الفلسطينيون أم أبوا، فانه لا يمكن النظر إلى تعديل القانون الانتخابي الاسرائيلي، عبر رفع نسبة الحسم، إلا في إطار العمل على تعزيز البنيان القانوني والدستوري لاسرائيل اليهودية وتكريس يهوديتها أمراً واقعاً من خلال إعادة صوغ المؤسسة التشريعية، باستبعاد الفلسطينيين العرب، وكذلك باستبعاد بعض الأطراف اليهودية التي مازالت لاسباب أيديولوجية خارج المشروع الصهيوني.
وإذا كان النزاع يدور بين الجانب الفلسطيني المفاوض، وسلطات الاحتلال الاسرائيلي حول مسألة الاعتراف بيهودية اسرائيل، فإن قدرة “عرب 48” على كسر مشروع “التهويد” هذا، باعادة صوغ حالتهم السياسية في قائمة انتخابية واحدة، تعتبر جزءاً لا يتجزأ من معركة سد الطريق أمام مشروع تكريس اسرائيل “دولة يهودية” والاعتراف بالرواية الصهيونية ومشروعها، بديلاً ونقيضاً من الرواية الفلسطينية ومشروعها الوطني.
مرة أخرى، “عرب 48” في قلب المواجهة مع اسرائيل ما يتطلب إعادة النظر في دورهم في المشروع الوطني الفلسطيني.

السابق
الاقتصاد الإيراني يشهد تدهوراً كبيراً
التالي
اتحاد المترجمين العرب كرّم نادر سراج