الراعي يطيح ترشيح جعجع وعون: «جوكر» بكركي تحت الطاولة

أقلّ من 48 ساعة مضت على إعلان رئيس «القوات اللبنانية» نفسه مرشّحاً رسمياً لرئاسة الجمهورية. الكثيرون من الحلفاء والخصوم «لم يهضموا» ترشيح سمير جعجع، ومع ذلك بقيت الغالبية صامتة، محررةً نفسها من أي ردّ فعل إزاء مفاجأة «الحكيم» المتوقّعة.

وبالرغم من الصمت المدقع، ارتأت بكركي أن تعلن «لاءاتها». البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي لم يقلها بالفم الملآن ولكنه قصدها. خلال ترؤسه قداسا احتفاليا في بكركي، امس، لمناسبة مرور 50 عاما على تأسيس «الحركة الرسولية المريمية» في زوق مصبح، حدّد مواصفات رئيس الجمهورية المقبل وبرنامج عمله. لكنه بهذه المواصفات بدا، بين الأسطر، وكأنه يطيح أكثر من مرشّح رئاسي، خصوصاً المرشّح الرسمي الوحيد، حتى اليوم، سمير جعجع.
وإذا كانت مواصفات الراعي ستخضع خلال الأيام المقبلة لقراءة متأنية لفكّ شيفرتها وإسقاطها على المرشّح الذي يلمّح إليه بطريرك الموارنة، فإنه قد أصاب في تحديد ملامح «مرشّحه للرئاسة» أكثر من عصفور بحجر واحد: استهدف مرشّحين من «الأقوياء» بتفسير فكرة «الرئيس القوي» بشكل مختلف عن المفهوم السائد في أوساط المرشّحين المصنّفين في خانة «الأقوياء»، وهو بذلك استبعد أسماء وازنة. كما أنه رسم صورة المرشّح الذي يمكن لبكركي أن تؤيده وتدعم وصوله إلى بعبدا.
مصادر مقرّبة من بكركي تشدّد على أن الراعي لا يحبّذ وصول عون أو جعجع إلى سدّة الرئاسة، طالما أنهما مرشحَيْن «غير وفاقيين». وبالتالي فإنه سيعود بـ«سلّة فاضية» إذا ما أقدم على دعم أحدهما أو أي مرشّح «فاقع الانتماء» إلى «8 أو 14 آذار».
الراعي، أمس، كان واضحاً: «لبنان يحتاج اليوم إلى رئيس قوي أولاً بأخلاقيته ومثالية حياته وأدائه عبر تاريخه، ثم بقدرته على تقوية الدولة بكيانها ومؤسساتها ووحدتها وسيادتها، وبالدفاع عنها وعن الدستور والميثاق الوطني والثوابت. رئيس قوي، قوته في وضع حد للفساد في الإدارة، ولسلب المال العام وإرهاق خزينة الدولة بسرقتها وحرمان المواطنين حقوقهم. رئيس قوي في المكون الآتي منه».
إذًا «دليل بكركي لرئاسة الجمهوريّة» يولي أهميّة للاقتصاد على ما عداه من الشؤون الوطنيّة. «سيّد بكركي» لم ينبس ببنت شفة تعني «الأمن» في أولوياته، ما يعني سقوط قائد الجيش العماد جان قهوجي حكماً من «الدليل»، وتعويم كلّ من: حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رئيس مجلس إدارة «الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب» جوزيف طربيه، ووزير الماليّة السابق دميانوس قطّار.
وفي هذا الإطار، تقول مصادر قريبة من بكركي إن «البطريرك على مسافة واحدة من كلّ المرشحين، المعلنين وغير المعلنين، فهو لا يريد أن يعطي أفضليّة لأي اسم على آخر، إذ إن جلّ ما يريده هو الدفع بكلّ ما أوتي من قوّة للوصول إلى انتخابات رئاسية قبل انقضاء المهلة الدستوريّة».
وبالرغم من «رماديّة» الراعي بشأن المرشحين، فإن مصادر متابعة لا تنفي أن رياض سلامة استبعد عن «الحلبة الرئاسية» لأسباب عدّة، منها أن «لجنة التواصل» التي ألّفها الرئيس نبيه بري لـ«جس نبض» الكتل والشخصيات عن الاستحقاق الرئاسي قد لمست ممن زارتهم أن تعديل المادة 49 من الدستور (التي تنصّ على عدم وجوب انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة إلاّ بعد انقضاء سنتين على استقالتهم أو إحالتهم على التقاعد)، غير مستحبّ.
ويقول البعض إنّ «سيّد بكركي» كان يفضّل أن يجلس سلامة على كرسيّ بعبدا. وهذا ما دفعه إلى تكليف بعض المراجع الدستورية في لبنان والخارج، لا سيّما في فرنسا، للتأكّد ممّا إذا كان وصول حاكم «مصرف لبنان» يتطلّب تعديلاً دستورياً. الدراسات القانونية التي وصلت إلى يد الراعي تفيد بأن سلامة ليس موظفاً. ما يعني أنّ المادة 49 لا تنطبق عليه، ووصوله إلى بعبدا لا يحتاج إلى تعديل المادة ضمن المهلة الدستورية لانتخاب رئيس.
ولأنّ هذه الخلاصة القانونيّة قد رفضت من غالبية القوى السياسية، فقد فضّل الراعي عدم الذهاب بخيار سلامة حتى النهاية، حتى لا يضطر إلى مواجهة هؤلاء.
أكثر من ذلك، تشدّد المصادر المقربة من بكركي على أن بطريرك الموارنة لا يفضّل التعديل الدستوري، أو بالأحرى يعرف صعوبة المضي قدماً في تشجيع التعديل، بعد أن سمع من رئيس الجمهوريّة كلاماً واضحاً في هذا الإطار. «فخامته»، على الأغلب، سيردّ أي مشروع قانون يرمي إلى تعديل المادة 49 «كرمى» لوصول قهوجي أو سلامة إلى القصر الجمهوريّ.
وبالتالي، يبدو واضحاً أن الخوض في غمار التعديل سيرتدّ على الراعي سلباً، ما ألزمه بالقول أمام «لجنة بري»، التي زارته الاثنين الماضي، إنه يعارض التعديل الدستوري، وهذا ما أدى إلى «إسقاط» سلامة، وحتى قهوجي، من سلّة المرشحين الأساسيين.
أما عن طربيه، فيلفت المقربون من بكركي الانتباه إلى أنّ الراعي يعتبره «مميزاً» و«من أهل البيت»، غير أنه لن يقوَ على حمل لوائه وهو غير مقتنع بـ«قدراته السياسية». يدرك «سيّد بكركي» أن طربيه لم يدخل يوماً في الزواريب السياسية وليست لديه ملكة حياكة التسويات بين الفرقاء.
وإذا ما تمّ استبعاد الأسماء الأربعة، يبقى دميانوس قطّار «عائماً» على «بحر بكركي»، إذ يشير المقربون إلى أن وزير المالية السابق، الذي كُلّف القيام بالكثير من الحسابات المالية الخاصة بالصرح البطريركي، له الأفضلية عند الراعي على ما عداه من المرشحين الآخرين. وهو قد أخذ «البركة» منه قبل الإيحاء بإمكان ترشحه في حديثه لقناة «MTV» الأسبوع الماضي.
في المقابل، تكشف المصادر المقربة من الراعي أن «حصان بكركي» ليس وحيداً، إذ يملك البطريرك «جوكر» يخبئه تحت الطاولة لعدم إحراقه… لن يكشف «سيّد بكركي» ورقته إلا في الوقت المناسب، وبعد التأكّد أن الجميع وصل إلى نقطة «اللا خيار»؛ وتشدّد على أنّ البطريرك الماروني يمكن أن يغضّ الطرف عن «الاسم المخبأ»، إذا ترشّحت إحدى الشخصيات المارونية التي اقتنع بها والمقرّبة من الكنيسة والمطارنة والإكليروس في الوقت عينه.
وبعيداً عن «الشخصيات الاقتصادية»، تؤكّد هذه المصادر أن الكاردينال وضع فعلاً «فيتوات» على عدد من المرشحين المحتملين، ولكنه لا يوحي بذلك، معتقدةً أيضا أنّ الراعي لن يعبّد الطريق أمام بعض الأسماء المطروحة كالوزيرين السابقين زياد بارود وروجيه ديب، للوصول بـ«أمان» إلى بعبدا.

السابق
اشتباكات في الميّة ومية بصيدا
التالي
’أنونيموس’ يبدأون هجوماً إلكترونياً على إسرائيل