حزب الله وانفتاح الأبواب مع المستقبل: أمر لا نضخّم أبعاده!

ثمة ابواب انفتحت اكثر من أي وقت مضى بين “حزب الله” وتيار “المستقبل”. مصداقه العملي في هذا الكلام الوارد من أبرز صقور التيار الأزرق والذي تنكّب مهمة الحملات الاعلامية والسياسية المتتالية على الحزب منذ ان خلع بذتّه الرسمية ونزل الى الميدان السياسي، والجواب المرحب الآتي من احد وزراء الحزب.

اذاً هناك تطور سياسي لافت سيأخذ خلال الأيام المقبلة مداه، وسيبنى عليه الكثير عند المشتغلين بالسياسة وعند الجمهور العريض الذي أبدى تذمره من وطأة هذا الصراع الطويل بين الطرفين والذي صار سمة الاعوام الستة الماضية، خصوصاً بعدما عجز الآخرون عن الاتيان بدورة سياسية تخرج من أسر هذا الصراع المحتدم الى اقصى الحدود، والذي وجدت ترجماته العملانية في اكثر من مكان وفي غير محطة. التطور المستجد امر “لا يمكن تقليل اهميته واعتباره حدثاً ذا مفاعيل اجرائية اقتضاه واقع الحال، ولا يمكن ايضا تضخيم حجمه ومداه الى درجة القول بأن ثمة صفحة انطوت بكل ما اعتراها وتخللها وأخرى قيد الانفتاح”، هذا ما تقوله دوائر القرار في الحزب، مضيفة ان ثمة عنصراً قد فرض نفسه على المعادلات واللعبة السياسية لا بد من اخذه في الحسبان من الآن فصاعداً.
من البديهي انه يتناهى الى مسامع قيادات “حزب الله” التبريرات والمسوغات التي يقدمها رموز
“المستقبل” لهذا “الانفتاح” الحاصل من جانبه حيال قوى سياسية تعامل معها مدى اكثر من سبعة اعوام كخصم وضعه في مقام الأعداء وحرّم التعامل معه او التشارك واياه، وهي تقوم على مبدأ انه انفتاح الضرورة التي فرضتها الحكومة الجديدة، وواقع ان فيها وزيرين ينتميان الى “التيار الأزرق” ولا يستقيم عملهما الا باعادة بعث الروح في قنوات التواصل مع الحزب، وان ذلك، على اهميته، لا يسقط ان التباعد بين الطرفين قد انتفى واستطراداً ان الخلاف والتباين حول ملفات اساسية قد انتهيا. الدوائر عينها لا تفاجأ اطلاقا بمثل هذا الكلام لتطور ينطوي ولا ريب على آفاق ووعود أبعد من مسألة التنسيق الأمني اليومي. هذا التبرير يتسق ولا شك مع العنوان التبريري العريض الذي قدمه الرئيس سعد الحريري لحظة قرر التخلي عن شعار مساكنة الحزب في حكومة واحدة وذلك عندما وصف هذه الحكومة بأنها حكومة “ربط نزاع” مع الحزب.
بالنسبة الى الدوائر عينها فان هذا الكلام لا يسقط اعتبارات ومقدمات اساسية اخرى فرضت على تيار “المستقبل” التراجع عن منظومة خطاب سياسي حاد استمر نحو ثلاثة اعوام وارتكز على جملة رهانات اخفقت بالتقادم.
وبمعنى آخر لدى الحزب قراءة يعتبرها واقعية للأسباب والعوامل التي فرضت “التيار الأزرق” بلوغ المرحلة الراهنة ابرزها:
– ان ثمة مظلة غير مرئية خارجية وبالتحديد ايرانية – اميركية، او ربما تقاطع مصالح عنوانه العريض الحفاظ على الاستقرار الهش القائم في لبنان عبر الوقوف في وجه الموجة التكفيرية الخطرة التي بدأت تنساب وتتسلل الى الداخل اللبناني تحت جنح حاجة البعض اليها اولاً، ثم بدأت تتخذ لنفسها مسارب اكثر جرأة ووقاحة الى درجة انها بدأت تغزو قواعد الارتكاز لدى تيار “المستقبل” وتتجرأ عليه في عقر داره وتسعى الى مزاحمته على ما يعتبره حقاً حصرياً له.
– لا ريب ان عودة تيار “المستقبل” الى جنة السلطة التي ظل مقصياً عنها قسراً نحو ثلاثة أعوام قد فرضت عليه مغادرة مسلك “المغامرات” غير المحسوبة التي توسل فيها الشارع، بغية الاعتراض على ما حل به ومحاصرة “خصمه” الاساسي يومذاك الرئيس نجيب ميقاتي.
ولعل هذا ما يفسر الاصوات التي صدحت في طرابلس خصوصاً مستنكرة تخلي “الزعامات السياسية” عن بعض قادة المحاور.
وعليه فإن الحزب يرى انه كان طبيعياً لتيار “المستقبل” ان يسحب الغطاء عن الحالة الطرابلسية وقبلها الحالة العرسالية ويساهم في انهائها خلال ايام قليلة.
– لا بد ايضاً من أن يكون في صلب هذا التراجع لـ”تيار “المستقبل” قناعة منه بتداعي رهانات كبرى نهضت بفعل اشتعال الساحة السورية قبل ثلاثة أعوام والتي أغرت “المستقبل” برفع شعارات كبرى، منها تقليم أظافر “حزب الله” وتضييق الخناق على الحالة السياسية التي تدور في فلكه واعتبارها جزءاً من ماضٍ مضى.
وتقر الدوائر عينها بأن الحزب وفريقه السياسي قد تراجعا في أماكن ومحطات معينة عن شعارات معينة كان رفعها وأقام عليها لفترات طويلة، حينها قبل باعادة تيار “المستقبل” وبعض فريقه الى رأس هرم السلطة بأكثرية وازنة وراجحة، ولكنه يحرص في المقابل على القول إن “طبخة” الحكومة وما تلاها من بيان وزاري ثم تعيينات، قد أرست لدى المعنيين جميعاً قناعة فحواها ان العودة الى التشارك السياسي هي عملية مضبوطة الحدود والمعايير وتحت سقف شروط لا تسمح للفريق الآخر حتى بالتفكير في العودة الى النهج الذي اختطه هذا الفريق ابان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الاولى، ثم ابان حكومة الرئيس سعد الحريري.
ويبقى السؤال المطروح ما إذا كان تيار “المستقبل” يعتبر الانفتاح الحاصل حالياً مقنناً ومحدداً بالزمن والمكان والحاجة وليس مصالحة مفتوحة الافق، فكيف يرى الحزب في الامر الطارئ؟ تجيب الدوائر عينها أن الحزب يدخل المسألة من باب انه غير مربك وغير مضطر الى تقديم تسويغات ومبررات، فهو ظل في ذروة احتدام الخلاف بينه وبين تيار “المستقبل” حريصاً على تنبيه هذا الفريق بأن عليه أن يفكر بلحظة العودة، لأن واقع الحال لا يسمح بقطيعة دائمة أو بعداوة مستمرة، وبمعنى آخر لم يرفع الحزب شعارات ضخمة ليعود ويتراجع عنها.
وعليه فإنه لا عقدة لديه تمنعه من الذهاب في رحلة علاقة جديدة على أسس جديدة، فإلغاء الآخر لم يكن يوماً في قاموس الحزب السياسي، والمشكلة عند الذين ظنوا ان بمقدورهم اسقاط الآخرين من كل الحسابات، ويتمنى على العائدين الى رشدهم ان يتعظوا من التجربة المرة الطويلة.

السابق
حروب الآخرين في سوريا
التالي
إسرائيل القوية.. ضعيفة!