إسرائيل القوية.. ضعيفة!

فشلت المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية لأنها منذ بدأت، كانت محاولة فاشلة. لم يتوقع أحد أن تنجح. ربما جون كيري وزير الخارجية الأميركي اعتقد بإمكان نجاحها. لولا هذا الأمل لما قام بجولاته المكوكية. الرئيس باراك أوباما كان على الأرجح يضحك سرًّا، من جولات وزير خارجيته، لأنه كان يعرف النتيجة قبل أن يركب كيري الطائرة. على الأرجح أراد أن يزيل عن كتفيه أعباء فشل محاولاته في ولايته الأولى. بهذا يثبت أن الفشل لم يكن فشله وإنما لأن المشكلة الفلسطينية مستعصية على الحل، على الأقل ضمن المعطيات الحالية للقضية.

بنيامين نتنياهو لا يريد بالأصل المفاوضات فكيف بنجاحها؟ لم يترك فرصة إلا وعمل على افتتاحها لتفشيل ما لم يفشل. وضع سقفاً عالياً جداً لا يمكن القبول به فلسطينياً وعربياً أراد أن يعترف الفلسطينيون والعرب بيهودية اسرائيل. ما أضاف الى نهج نتنياهو في دفع المفاوضات الى طريق مسدود، اعتقاده اليقيني ان الادارة الأوبامية ضده ولذلك لم يسمح بتقديم ولو «هدية» صغيرة لها. يستطيع أن ينتظر الحل سنتين اضافيتين، أي الى ما بعد انتهاء ولاية أوباما الثانية. بعدها لكل حادث حديث. ما يشجعه على ذلك، أن محاربة الوقت بالوقت في الشرق مسألة عادية جداً.

لكن أكثر ما يشجع نتنياهو على سلوك سياسة الطرف المسدود، تأكده من أن اسرائيل هي الأقوى من كل العرب الآن ولعقدين أو ثلاثة عقود، هذا إذا وقعت تحولات وتغيرات عميقة في العالم العربي كل الدول العربية التي تشكل خطراً ولو محدوداً على إسرائيل دخلت عالم البحث عن حلول لمشاكلها الداخلية مثل مصر والجزائر، أو انتظار عودة السلام الداخلي إليها والعمل على اعادة البناء مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن.

أما ايران وتركيا، فهما ليستا خطراً وجوديًّا بالنسبة لإسرائيل. ايران لن تدخل في حرب في اسرائيل رغم كل الخطابات الايديولوجية ونشاطات «فيلق القدس». بدورها تركيا لم تقل يوماً إنها على خصومة مع اسرائيل. الأرجح حصول تزاحم بينهما على الدور ضمن خطوط حمر مرسومة.

رغم كل هذا الاطمئنان للمستقبل فإن اسرائيل الداخل قلقة. لم تعد اسرائيل دولة أوروبية ولا علمانية ولا اشتراكية. انها حالياً دولة رأسمالية ذات ثقافة شرق أوسطية. وهي رغم استمرارها في رعاية الولايات المتحدة الأميركية، لكن لم يعد بإمكانها أن تفعل ما تريد وأن تدفع واشنطن الى المسارات التي ترسمها. تجربة إيران أكدت لها ذلك. لم تستطع شن الحرب على ايران، ولم تتمكن من اقناع واشنطن ولا دفعها لخوض الحرب، فبقيت أسيرة لطموحاتها المشلولة.

أيضاً وهو مهم جداً، تدرك اسرائيل، أن زمن الهدوء والتهدئة الأسدية في الجولان قد انتهى. وأن الدفاع عن الرئيس بشار الأسد من خلال التركيز على صيغة «آتونا بمثله وخذوا ما تريدون»، قد سقط بعد ثلاث سنوات من الحروب. الأخطر بالنسبة لإسرائيل أن تتحول سوريا الى «دولة فاشلة» مما يعرضها لخطر استراتيجي. اسرائيل محشورة بين خطرين: سقوط الأسد وعدم ضمان قيام نظام يؤمن لها الهدوء والأمن اللذين مكّناها من تحويل الجولان الى مستعمرة منتجة اقتصادياً الى جانب أهميتها العسكرية الاستراتيجية.

الفلسطينيون والعرب عاجزون عن مواجهة إسرائيل. الأسوأ الآن الدعوة لإحياء شعار المقاومة هي الحل، وكأن المنطقة لم تأخذ نصيبها من التدمير، وان «حزب الله» هو «شمشون» المنطقة الذي لن يتأخر في أن يقول عاجلاً أو آجلاً «عليَّ وعلى أعدائي يا رب»، مع أن القاعدة الأولى للمقاومة: القتال حبًّا بالحياة الكريمة والحرّة، والاستمرار في المقاومة طلباً لتحرير الأرض والانسان وليس الانتحار لتحقيق رغبات أنظمة ستنتهي حكماً لتبقى الشعوب والأوطان.

السابق
حزب الله وانفتاح الأبواب مع المستقبل: أمر لا نضخّم أبعاده!
التالي
الموت يأخذ إجازة