وقائع عن «استخفاف» النوّاب بناخباتهم

أعطى رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الكلمة في جلسة الهيئة العامة للمجلس في 1/4/2014 لعضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي عمّار، وهو عضو اللجنة النيابية الفرعية التي درست مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري على مدى سنة وثلاثة أشهر، وقال:  “دولة الرئيس، لا يختلف إنسان في هذه القاعة على أن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة”. 

ونسي بأن المرأة قبل كل شيء هي مواطنة.

بُدئ العمل على مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري عام 2007. تألّفت وقتها لجنة متخصّصة من قضاة ومحامين وباحثين، رصدت الصعوبات التي تواجه النساء، ضحايا العنف الأسري، عندما يلجأن إلى القضاء، وصاغت بناءً عليها مسوّدة المشروع. لاحق “التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري” الموضوع مع الحكومتين المتعاقبتين منذ العام 2008، إلى أنْ أُحيل المشروع بعد طرحه أمام الحكومة للمرّة الثانية إلى مجلس النوّاب في العام 2010. وبعد نقاش استغرق سنة وثلاثة أشهر، أدخل أعضاء اللجنة الفرعية التي كُلّفت من قبل اللجان النيابية المشتركة دراسة مشروع القانون، تعديلات عليه من شأنها إفراغه من مضمونه وعرقلة وصول النساء إلى القضاء بهدف الحصول على الحماية التي هي جوهر المشروع وغايته الأساسية.

هنا، بدأت منظمة “كفى عنف واستغلال” عملية التواصل مع كل النواب والأحزاب ورؤساء الكتل النيابية التي استغرقت ثمانية أشهر من المتابعة. وبعد اطلاق سلسلة حملات قام بها التحالف والمنظمة، نجحا في إعادة إدراج إسم النساء في عنوانه بعدما حوّلته اللجنة من مشروع مخصّص للنساء إلى مشروع  يتعلق بكل أفراد الأسرة، وفي الحصول على تواقيع 71 نائباً يضمنون تبنّي الملاحظات التي طالب بها التحالف عندما تُعقد جلسة اللجان النيابية للتصويت على مشروع القانون وهي: الحفاظ على إسم القانون ومضمونه “قانون حماية النساء من العنف الاسري”، تجريم إكراه الزوجة على الجماع، شمول أطفال الضحية بالحماية دون مراعاة سن الحضانة، منح إصدار “قرار الحماية” للنيابة العامة أو تعيين قاض خاص للعنف الأسري يراعي في إجراءاته أصولاً خاصة.

وخلال سنوات العمل والضغط هذه، كانت تُقتل إمرأة كل شهر نتيجة العنف بحسب الحالات التي رصدتها منظمة “كفى”، وارتفعت حصيلة النساء اللواتي خسرن أعمارهن (المعلوم عنها) إلى إثنتين في شهر شباط الماضي واثنتين في آذار، هذا عدا عن التبليغات اليومية التي تتلقاها كفى عن تعرّض نساء من مختلف المناطق والطوائف والطبقات إلى تعنيف من أزواجهنّ. قتل النساء هذا والعنف الموجّه عليهنّ حرّك ألوفًا من اللبنانيّين الذين نزلوا إلى الشارع في 8 آذار لمطالبة رئيس مجلس النواب بعقد جلسة تشريعية خاصة لإقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري مع التعديلات عليه.

وضع الرئيس برّي أخيراً مشروع القانون على جدول أعمال الجلسة التشريعية للتصويت عليه في الأول من نيسان لكنّه أعلن في الجلسة، التي وُصفت بمسرحيّة، أنّه لا يشرّع تحت الضغط.

حياة النساء التي زُهقت، مصير أطفالهنّ الذين تعرّفوا باكراً على الجوانب المظلمة من الحياة، مطالب المواطنين والمواطنات بالاستحصال على حقوقهم البديهية، مشروع القانون الذي استغرق العمل عليه سنوات، كل هذا، لم يعطه النواب أكثر من بضع دقائق في جلستهم، في جوّ علته الضحكات والتعالي والاستخفاف. من وقّع على الملاحظات الجوهرية على القانون لم يحرّك ساكناً في الجلسة، والحق في رقابة ومساءلة ومحاسبة النواب ورئيسهم على أدائهم ومواقفهم ومدى التزامهم بتعهداتهم اعتبره النائب علي عمّار، ولقي استحساناً واستقبله بعض النواب بالفرح، “عملية تخويف وتعنيف وترهيب”. كما أنه رجا “الجمعيات الأهلية التي عنّفتنا بما فيه الكفاية بالإسراع في اقتراح قانون يمنع تعنيف الرجال”. وهنا، تعالت الضحكات أيضاً. ولم ينتبه أحد إلى أنّ مثل هكذا مقولات هي بمثابة تبرير غير مباشر للقتل الواقع والمتكرّر لنساء لبنان، واستخفاف بمعاناتهنّ وحياتهنّ ووضع أولادهنّ.

وفي ما يأتي وقائع من جلسة الهيئة العامة للمجلس النيابي في 1/4/2014
التصويت على البند التاسع من الجلسة: قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف

طُرح مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 4116 المتعلّق بحماية النساء من العنف الأسري،
أعطى رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الكلمة للنائب علي عمّار، عضو اللجنة النيابية الفرعية التي درست هذا المشروع على مدى سنة وثلاثة أشهر، وقال:

“دولة الرئيس، لا يختلف إنسان في هذه القاعة على أن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة.
بمعنى أن المرأة ليست أسيرة الرجل ولا هي عبدة من العبيد إنما هي حرّة بمقتضى كل الشرائع السماوية والمواثيق والأعراف القانونية والدولية،
وبالتالي كي لا يزايدَنّ أحد على أحد، ولكون كان لي شرف المشاركة في اللجنة الفرعية، والله يشهد أن أعضاء اللجنة الفرعية كانوا ظنينين كل الظن بحقوق المرأة وتحريرها من العنف الأسري،
مع العلم، وأنت تدافع دائماً عن أعضاء المجلس النيابي، أنّ لجنتنا تعرّضت لعنف فيه من التشهير، حيث وُضعت صورنا على كافة باصات النقل التي تجوب كافة المناطق اللبنانية، وصُوِّرنا وكأننا مجرمون وأضافوا إلى ذلك النشر في الصحف من وقّع ولم يوقّع من النواب كجزء من عملية التخويف والتعنيف والترهيب”.

هنا علّق الرئيس بري مازحاً “لا تستبعدوا يكون غسان مخيبر وراء هذه الحملة؟”
وردّ غسان مخيبر ضاحكاً: “دولة الرئيس هالمرّة ما ظبطت معك.”
(ضحك في القاعة(.

وأكمل النائب عمار قائلاً:
“المرأة يقولون إنها نصف المجتمع، وأنا أقول إنها أمّ المجتمع وكل المجتمع، ولذا وقفت اليوم هذه الوقفة لأقول إننا مع هذا القانون، وكلّ ما ناقشناه كان استحضاراً للدستور حتى لا يتعارض هذا القانون مع مبادئ دستورية، والحفاظ على النسيج المجتمعي والأحوال الشخصية وقانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية. ووجدنا أنّ هناك مواد أكثر تشدّداً من هذا المشروع… راجياً من الجمعيات الأهلية التي عنّفتنا بما فيه الكفاية بالإسراع في اقتراح قانون يمنع تعنيف الرجال.
(ضحك في القاعة).

وأقترح التصويت على مشروع القانون مادّة وحيدة وإقراره”.

بعد كلمة النائب علي عمّار، طلب النائب سيمون أبي رميا الكلام وتوجّه إلى رئيس المجلس قائلاً:
“وصلتنا رسالة من منظمة “كفى” فيها ملاحظات على مشروع القانون، فهل يمكن التحدّث عنها، وبالتالي دراسة ما إذا أمكن الأخذ بها أم لا؟”.
وهنا عبّر النائب علي عمار عن رفضه الحاسم لهذا الاقتراح، حيث رفع يده وقال:
“لا، لا، لا، لا!!!!”

وكان هناك بعض المحاولات الخجولة من قبل عدد من النواب لتقديم مداخلات، قوبلت بالرفض من الرئيس بري.
ولم يبدِ هؤلاء النواب أي إصرار أو يبذلوا أي جهد إضافي لطرح التعديلات وتسجيل تحفّظ.

من ثمّ تمنّى الرئيس بري “التعاون الكامل لإنجاز ما أمكن لما فيه من خدمة للمواطنين”، وأكّد أنّ
“المجلس النيابي لا يشرّع تحت التهديد أو ضغط الشارع.”

وهنا طُرح المشروع على التصويت، وصُدّق برفع الأيدي، وقوبل تصديقه بتصفيق شديد في القاعة.

https://now.mmedia.me/lb/ar/reviewsar/541994-%D9%88%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D9%81%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D9%86%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D9%87%D9%85

 

السابق
لا أحد مهتم بالسلام
التالي
منتدى الأعمال الفلسطيني اللبناني يكرم مديرة الأونروا في لبنان آن ديسمور