ماذا يعني تنفيذ خطة أمنية في طرابلس وعرسال… ونجاحها؟

مع بدء العدوان الذي استهدف سورية، تراجع الأمن في المنطقة الشمالية من لبنان، خاصة في المنطقة الواقعة شمال خط طرابلس عرسال، وتحديداً في طرابلس وعرسال وترافق ذلك مع خروج تيار المستقبل من السلطة بعد إسقاط حكومة سعد الحريري ورفض التيار رئيس حكومة أي رئيس حكومة لا يكون سعداً نفسه أو معيناً من قبل سعد الحريري ذاته، ولأجل ذلك ذهب من يمثل هذا التيار الى طرابلس معلناً «يوم غضب» يطلق من قمقمه ما أسماه « المارد السني»، وبدأت بعد ذلك سلسلة الجولات القتالية والاشتباكات في المدينة، كما واكبتها عملية إقامة «جمهورية عرسال ال 14 اذارية « دعما لما أسماه أصحابها «ثورة سورية» في وصفهم للعدوان الذي يستهدف سورية دولة وشعباً وموقعاً استرتيجياً.

في المقابل طرحت الحكومة التي شكلت نظرياً من غير ممثلي 14 آذار (مع أننا كنا نشك في ذلك وكنا ولا زلنا نعتقد أن بعض مكوناتها كانت تستجيب لتيار المستقبل حتى بأكثر ما يطلب) طرحت شعار النأي بالنفس، ورغم أن هذا الطرح لم يكن واقعياً فإن اصحابه روّجوه واحتضنهم فيه الخارج وبعض الداخل، الى حد ظن أنه «ابداع سياسي» لا يصل اليه الا موهوب ذو قدرات فذة، لكن الدولة التي كان يملك القرار الأمني فيها من يساير جماعة 14 آذار لم تطبق ميدانياً الشعار الذي رفعته ولم تتقيد بالاتفاقات الأمنية التي ترعى علاقتها بسورية، فسهلت على تيار المستقبل مهمته، ما حول المنطقة شمال خط عرسال طرابلس الى «منطقة عسكرية لو جستية» يستخدمها من يستهدفون سورية بالعدوان عليها، وانقلبت طرابلس الى ما مكن المعتدين على سورية من تسميتها بـ»ميناء الثورة السورية»، أما عرسال فقد تحولت إلى القاعدة العسكرية المتقدمة التي ترتكز عليها المسمّاة بزعمهم «ثورة سورية» الى حد مفاخرة رئيس بلديتها بأنه يملك السيطرة والتحكم في 70 كلم من الحدود مع سورية وهي حدود «جمهوريته المستقبلية».

وبعد هذا التحول السياسي- الأمني، اتسمت الحركة الميدانية في طرابلس بجــولات عنف دورية، تستمر الواحدة منها من أسبــوع الى أسبوعين، ينفجـر الأمن فيها في كل مــرة يشاء المسلحون استقــدام باخرة أسلحة ونقلها الى سورية عبر أحد محوريــن: وادي خالد عرسال القلمون، أو عكار تل كلــخ حمص، أما عرسال فتحولـت الى منطقــة خارج سلطــة الدولة بعدما ارتكب المسلحـون فيها أفظع الجرائم في حق الجيش داخلها أو فــي جرودها.

رغم كل هذا الانهيار في الأمن والخروج على القانون، لم تتمكن الدولة أو لم تحاول جدياً استعادة سيطرتها بسبب الانقسام في القرار السياسي داخل السلطة التنفيذية. ورغم اننا وآخرون معنا طالبنا مراراً بتحويل منطقة شمال خط عرسال طرابلس الى منطقة عسكرية وتكليف الجيش بحفظ الأمن فيها، فإن الدولة تراخت او لنقل – ويمكن القول  – أصغت الى الأصوات الأخرى التي هددت بالويل والثبور، رافضة تحرك الجيش في أي اتجاه يعاكس ما تقوم به، وظهر جلياً أن تيار المستقبل يريد ويشجع على الانفلات الأمني في تلك المنطقة ومناطق أخرى لسببين:

– الأول له علاقة بالسلطة وخروجه منها، وهو يريد أن يفهم من في الحكومة بأن حكمهم لا يستقيم ان لم يقبل به . هذا الإخلال الأمني شمل صيدا ايضاً، متكاملاً مع الخطة التعطيلية لجميع مؤسسات الدولة بما فيها مجلس النواب .

– والثاني، وهو الأهم، ما يتصل بالعدوان الخارجي على سورية والدور الذي اضطلع به تيار المستقبل لجهة التسليح والدعم والمؤازرة بجميع الطاقات الممكنة.

كانت طرابلس وبعض مناطق الشمال وعرسال مثلما كانت صيدا لفترة سنتين ضحية اهداف وسياسة تيار المستقبل وشهوته للسلطة ودوره في العدوان على سورية، ولأجل ذلك فشلت كل المحاولات أو ما دعي خططا امنية وضعت لطرابلس في السابق، كما وضعت العوائق والعراقيل في وجه الجيش وفي طريقه لدخول عرسال لاستعادتها الى الامن الشرعي.

فجأة يتغير الأمر، وتنقلب عرسال من رافضة للجيش الى مطالبة به، مثلما كان يلح ويضغط ويطالب محيطها من مجتمع المقاومة الذي كان يتضرر من السيارات المفخخة التي كانت عرسال معبراً لها الى البقاع وبيروت وضاحيتها الجنوبية، ثم تنطلق عبر المجلس الأعلى للدفاع فمجلس الوزراء فالميدان خطة أمنية كانت وضعت اكثر من مرة و فشلت ، خطة تستهدف إعادة سيطرة الدولة وفرض القانون، بشكل خاص في طرابلس وما تبقى من الشمال وعرسال.

هنا يطرح السؤال: ما الذي تغير حتى بات ما كان مرفوضاً بالأمس مطالباً به، وما الذي تبدل حتى بات الذين استعملوا للإخلال بالأمن واشعال طرابلس بالنار والقتل والدمار لعشرين جولة خلال السنوات الثلاث، باتوا من غير غطاء الى حد أصبح من فاخر بهم وبشجاعتهم ومولهم بالامس هو نفسه من يهددهم ويلاحقهم بصفته وزيراً أو ممثلاً للفريق السياسي نفسه الذي احتضنهم؟

نقول ببساطة إن سبب التغيير يعود الى تغيير في واقع الحال وأسباب التفجير أصلاً، إذ انتفت الآن تلك الأسباب، ولم تبق هناك حاجة إلى النار. وكما قلنا، إن الإخلال بالأمن والخروج على القانون كانا لسببين، داخلي يتعلق بخروج تيار المستقبل من السلطة، وخارجي إقليمي يتعلق بالعدوان على سورية، والان انتفى السببان معاً، فالأول انتفى بسبب تمكن تيار المستقبل من العودة الى السلطة وامتلاك الأكثرية المطلقة في حكومة عيّن هو رئيسها كما سمى مباشرة أو مداورة 13 وزيراً فيها من أصل 24، والثاني الأهم انتفى بانتفاء دور منطقة الشمال من طرابلس الى عرسال مرورا بعكار ووادي خالد، إذ انتهى دورها في الازمة السورية بعدما تمكن الجيش العربي السوري من تطهير القوس السوري المحيط بالحدود مع لبنان من الشمال والشرق، بدءاً من زارة و تلكلخ الى قلعة الحصن فالقصير فكل منطقة القلمون، ولم تعد بعد هذا الانجاز قوافل الارهابيين والمسلحين والأسلحة والذخائر قادرة على العبور الى سورية انطلاقا من لبنان. وهنا يرتسم المشهد المركب من شعورين متناقضين، من ألم وفرح، او من مأساة وانفراج: مع شعور بالفخر و الاعتزاز :

– ألم ومأساة إذ نقف على حقيقة الأسباب التي ازهقت الأرواح ودمرت الممتلكات وعطلت المرافق فنجدها لصيقة حصراً بشهوة فريق للسلطة وتوظيفه منطقة لبنانية واسعة في مشروع عدواني ضد دولة شقيقة وصديقة هي الأهم بين الدول للبنان، مستغلاً قدراته المالية لتوظيف فقراء هو أفقرهم بسياسته الاقتصادية وحولهم الى مرتزقة تخلى عنهم وجعلهم مطاردين فارين من وجه عدالة يدعي أنه يطالب بها . أضف الى ذلك وجود من شارك في سلطة الأمس وحرم الجيش من وحدة في القرار السياسي اللازم لتغطية مهامه الأمنية.

– فرح وسعادة من جهة أخرى لتعطل دور لبنان في العدوان على سورية بعد تمكن سورية من استعادة السيطرة على منطقة الحدود مع لبنان فتلغي دور تلك المنطقة وتلزمها بالعودة الى حضن الدولة والأمن الشرعي مجدداً، وتؤكد مرة أخرى المقولة التي نتمسك بها ولا يريد أن يفهمها المرتهنون، وتؤكد أن الأمن هو قي الأساس إقليمي قبل ان يكون محلياً قطرياً.

– شعور اعتزاز وفخر مبعثه التأكيد على أن الجيش اللبناني قادر على بسط الأمن حيثما يشاء اذا توفر القرار السياسي والبيئة المناسبة، وأن الطرابلسيين مثل اللبنانيين جميعا يريدون العيش بسلام وليست لديهم رغبة في قتال او انتحار، وان تجار السياسة استغلوا ثغراً في مجتمعهم فدفعوهم الى نار يبتغونها فلما قضوا من نارهم وطرا تخلوا عنهم.

نقول أخيراً إن قبول تيار المستقبل، بل مطالبته بالأمن الشرعي ليبسطه على ما كان يسميه «مناطق دعم الثورة السورية « هو إقرار ضمني واضح بأن آماله في نجاح «أكذوبة الثورة السورية» تبخرت ولم يعد هناك دور لهذه المناطق في دعم الإرهابيين والإرهاب في سورية.

السابق
البدء بعزل لبنان عن سوريا
التالي
تكرار النصوص في إنتخاب الرؤوس