طرابلس: فشلت الخطّة، فعمّ السلام

طرابلس
كان إعلام الممانعة يركّز على "قادة محاور" طرابلس لإظهارهم "ضدّ الخطة الأمنية"، وما يستدعي "تنظيف طرابلس منهم" عبر معارك دامية وإظهار أنّ من لا يريد الامن والسلام واستتباب الاستقرار انّما هم الذين يقفون خلف هؤلاء المجرمين والمرتزقة. تماما كما جرى ربما في عبرا. إلا أنّ ما قد غاب عن العقل الامني الممانع، وهو أفشل خطتّه، أنّه يكفي مجرّد تسريب خبر هروب آل عيد، وبالتالي انزياحهم، وإن المؤقّت عن المشهد، يعني تراجع ما يسمّى "الممانعة". وهو وحده كفيل بأن يهرول الآخرون نحو "نبذ التقاتل".. ففشلت الخطة، وحلّ السلام.

مشهد التقاء اللبنانيين “المتقاتلين” بالامس في طرابلس، وهطول وابل القبلات من كل حدب وصوب، وهبوب نسائم الودّ والمحبة بين ابناء جبل محسن واهالي باب التبانة، أحيا على مساحة الوطن شيئا من الامل صار بمثابة واحة غناء في وسط صحراء التناكف السياسي ولهيب الازمة السورية التي تلفح وجوهنا.

ففي خضمّ هذا المستجد الرائع والغريب (للاسف) انشغل المتابعون والمحللون في البحث عن السر الذي يقف خلف هذا الانفراج المستهجن بعد كل ما عانت منه طرابلس من جولات تقاتل مجاني راح ضحيتها عشرات الابرياء وبدون اي مسوغ، فضلا عن تحويل عاصمة الشمال الى مجرد صندوق بريد على حساب اقتصادها واستقرار ابنائها وحياة ناسها. فراحت مخيلة هؤلاء المحلّلين، ولا زالت، الى اقاصي الارض علهم يكشفون خيوط ما حصل. لأنّ اشتعال “جبهة” جبل محس باب التبانة لطالما ارتبط بشكل مباشر بالظروف الخارجية. وهذا ما ساهم في إطالة أمد عمر هذه الازمة الى عشرات السنين.

وذهبت مخيلة البعض إلى ربط ما قد حصل وصولا الى حدود اوروبا وربطه بانضمام القرم الى روسيا، مرورا بسقوط مدينة كسب السورية على الحدود التركية، فيما استحضر آخرون المباحاثات السعودية الايرانية السرية في مسقط.. إلا أنّ هذه المحاولات كلّها لم تكن لتقنع حتى كاتبيها، ومن هنا نفهم استمرار السؤال الهاجس المنطلق من التشكيك حول عمر هذه الفسحة او استمرارها او احتمال فشلها؟ وهذا التشكيك لا يقتصر على المواطنين العاديين بل نسمعه أيضا حتى على ألسنة معنيين بالقرار الوطني والطرابلسي، ما يوحي أنّه، في مكان ما، هنالك ثغرة مظلمة منها خرج هذا النور المستغرب. فيتعزّز الاعتقاد أنّ القضية ليست بهذا العمق ولم تبنَ على ركائز ثابتة وواضحة المعالم، وهذا يستدعي البحث عن مسببات اكثر بساطة وذات طابع امني مخابراتي اكثر منها سياسي توافقي.

قليل من المتابعة لوسائل إعلام “الممانعة” في المرحلة التي سبقت بداية تنفيذ هذه الخطة الأمنية، التي حُكِيَ عنها بشكل مكثّف ومستفيض إلى درجة أن تحوّل الحديث عنها إلى ما يشبه طرفة على صفحات التواصل الاجتماعي.. قليل من المتابعة يؤكّد أنّه كان الشغل الشاغل طيلة تلك الفترة لهذا الاعلام هو تسليط الاضواء بشكل يومي على من يسمّى “قادة المحاور”، واستدراجهم الدائم نحو موقف واضح يؤكدون من خلاله رفضهم المطلق هذه الخطة مع اصرار على مواجهتها وعدم التسليم لها طالما أنّه لم تنفّذ مذكرة التوقيف الصادرة بحقّ علي عيد كي يرونه خلف القضبان.

عليه فإنّ الخطة الحقيقية كانت تقتضي دخول الجيش والقوى الامنية باب التبانة مترافقا مع ما كان سرّب من هذا الاعلام عن خبر هروب علي عيد وولده عند زعيمه بشار الاسد او صديقه ووكيل اعماله في لبنان النائب سليمان فرنجية.

هذا التسريب، الذي كان ينفيه بشكل قطعي المسؤول الاعلامي للحزب العربي الديمقراطي عبد اللطيف صالح، مع تأكيد حاسم أنّ “الاستاذ علي عيد موجود في بيته داخل جبل محسن”، كان موجّها إلى القوى الامنية التي لن تقبض على علي عيد، فيما النفي موجّه إلى قادة المحاور. ما يستدعي حتما استنفارهم العسكري وبالتالي الاصطدام المحتوم مع الجيش اللبناني، والذي  ينتج “تنظيف طرابلس منهم” عبر معارك دامية وإظهار أنّ من لا يريد الامن والسلام واستتباب الاستقرار انّما هم الذين يقفون خلف هؤلاء المجرمين والمرتزقة. تماما كما جرى ربما في عبرا.

إلا أنّ ما قد غاب عن العقل الامني الممانع، وهو أفشل خطتّه، أنّه يكفي مجرّد تسريب خبر هروب آل عيد، وبالتالي انزياحهم، وإن المؤقّت عن المشهد، يعني تراجع ما يسمّى “الممانعة”. وهو وحده كفيل بأن يهرول الآخرون نحو “نبذ التقاتل”.. ففشلت الخطة، وحلّ السلام.

السابق
مفوضة أوروبية: الحل السياسي طريق وحيد لإنهاء أزمة النازحين خصوصا بلبنان
التالي
لماذا نقبل الايادي؟