ثلاثة خيارات أميركية في الاستحقاق الرئاسي

في المبدأ، تفضل الولايات المتحدة تحقيق أهدافها في هذه الدولة أو تلك عبر تعاملها مع المؤسسات الرسمية بدل الأفراد أو الجهات الحزبية، الأمر الذي يخيّب منذ عقود آمال اللبنانيين المراهنين على وقوف الإدارات المتعاقبة معهم في السراء والضراء.

غالباً ما تتجاوز الإدارة الأميركية تقاطعها مع مصالح هذا الفريق السياسي أو غيره في نقطة ما، لتتابع طريقها مع إفرازات الديمقراطية اللبنانية أياً كانت نتائجها، فيما يبقى الفريق السياسي في مكانه رافضاً التسليم بهزيمته والإعتراف بشرعية غيره. بدأ هذا يتضح أكثر فأكثر منذ بداية عهد الرئيس السابق أمين الجميل، حين حصرت الإدارة الأميركية على نحو كبير تعاملها الرسميّ معه شخصياً بدل الميليشيات المتعددة التي كانت تتدافع لرفع العلم الأميركي. وتكرس مع إسقاط العماد ميشال عون في 13 تشرين الأول 1990 رغم ترداده في بيت الشعب حذافير ما كانت الولايات المتحدة تأمل في عهد الجميل سماعه. ولا يقتصر هذا الأمر على لبنان، إذ توحي الولايات المتحدة في عدة دول بأنها تخلق الأمر الواقع، فيما هي باستنفار دائم للتكيف السريع مع الأمر الواقع. هي تتكيّف مع دكتاتورية حسني مبارك، ومع الثورة المدنية عليه، ومع الخطف الإسلامي للثورة، ومع الثورة العسكرية على الإسلاميين.
اليوم، ينقل من يلتقون الدبلوماسيين الأميركيين في بيروت اعتراف هؤلاء بمرارة بانتهاء صلاحية من تقاطعت لبنانياً مصالحهم في السنوات الأخيرة مع المصلحة الأميركية، وشدهم الأهداف الأميركية إلى الخلف بدل دفعها إلى الأمام. ولا تقتصر الأهداف الأميركية هنا على دعم زراعة الزيتون في زغرتا عبر النائب نايلة معوض، ولا تنمية مهارات الخياطة عند المرأة الهرملية والعكارية، إنما تحقيق المطلب الإسرائيلي بشغل “حزب الله” ومحاصرته شعبياً وقطع طرق إمداده وملاحقة شبكات اتصاله ومحاولة تعطيل قوته الردعية. هذا الهدف الرئيسيّ، وتليه أهداف أخرى مثل محاربة الإرهاب بوجهه التكفيري وتوفير فرص استثمارية جديدة للاقتصاد الأميركي وغيرها. وقد وصل إلى بيروت منذ بضعة أسابيع دبلوماسيّ أميركيّ تبدو مهمته الرئيسية، بحسب من التقوه، جمع المعلومات عن مختلف المرشحين لتحديد نسبة ما يمكن لكل منهم أن يحققه من الأهداف الأميركية.
الأكيد هنا أنّ الإدارة الأميركية راجعت فشل استراتيجيتها السابقة، فانتقلت من الهجوم إلى الاستيعاب، دون تغيير أهدافها طبعاً. وحين يضع دبلوماسيوها النقاط للمرشحين اليوم للرئاسة لا يأخذون الأسماء ولا الوسائل بالإعتبار، إنما النتائج النهائية التي يمكن هؤلاء المرشحين أن يحققوها: ثمة تسعة أو عشرة مرشحين يبقون الأمور على ما هي عليه، مرشحان يزيدانها سوءًا، عبر استفزاز “حزب الله” واسترضاء البيئة الحاضنة للتكفيريين أكثر فأكثر وتعطيل تطلعات الشركات الأميركية للاستثمار في البترول، ومرشحان يوفران لـ”حزب الله” فرصة جدية للانخراط محلياً في تسوية مماثلة للتسوية الإيرانية دولياً في حال رغب الحزب فعلاً بذلك، ويلتزم بحذافير التوجيهات الدولية لمحاربة الإرهاب ويبدي المصالح الأميركية الإقتصادية على غيرها.

السابق
توقيف 6 أشخاص في ضهر البيدر لحيازتهم مخدرات
التالي
انتهاء «وظيفة السلاح╗ في طرابلس يفتح باب الصراع الداخلي «المستقبلي»