الرئيس القوي… دولياً لا مسيحياً

كرسي الرئاسة

يستند العماد ميشال عون الى ثابتة انه الاكثر تمثيلاً للمسيحيين وبالتالي هو الأحق بموقع الرئاسة الاولى، اسوة ببقية الطوائف اللبنانية. الدكتور سمير جعجع ايضا يستند الى مفهوم قوة الرئيس المسيحي ويعتبر نفسه على رأس التنظيم المسيحي الاكثر شعبية في الشارع المسيحي، وبالتالي يرى في نفسه المرشح الموضوعي لموقع الرئاسة الاول. ثابتة المرشح المسيحي القوي يلتقي عليها عون وجعجع: فهل يمكن القول ان هذا التوصيف للرئيس المقبل صار مفتاح الرئاسة؟ بل هل موقع رئاسة الجمهورية يتطلب ممن يتولاه مواصفات القوة التمثيلية او الشعبية داخل طائفة الرئيس؟ وهل رئاسة الجمهورية مثل رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة؟ وبالتالي ما ينطبق على الرئاستين عمليا يجب ان يطبق على موقع رئاسة الدولة؟
يعلم الجميع أن الوصول الى موقع رئاسة الجمهورية، مهما قيل عن الصلاحيات وتأثيرها، تتحكم فيها الحسابات الاقليمية والدولية وتوازناتها. وهو موقع لم يزل توليه محصلة توافقات خارجية وقبول وطني لبناني. ولا يزال اللبنانيون يذكرون كيف كان التمديد لرئيس الجمهورية اميل لحود في العام 2004 بمثابة الضوء الاخضر لصدور القرار 1559 عن مجلس الامن الدولي. فالرئيس بشار الاسد أصرّ في ذلك الحين على التفرد بفرض التمديد رغم المواقف المعترضة، على الاقل من الادارة الاميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية. والامر ليس مختلفا اليوم، فالدول المؤثرة في انتخابات الرئيس لم تزل على حالها، بالطبع مع استثناء سورية التي فقدت دورها على هذا الصعيد لتتولى ايران حيّزا من هذا الدور.

اذاً موقع رئاسة الجمهورية لا تقرره القوى المحلية، رغم ان الحيّز اللبناني في اختيار الرئيس يزيد هذه المرة عن سابقيه بعد اتفاق الطائف. وهو، وإن كان موقعا مسيحيا، إلا أن المسيحيين ليسوا هم من يقررون اسم الرئيس. فالرئيس اللبناني لا يستطيع ان يكون ممثل محور ﻷن الرئاسة هي ميزان البلد، وهي لا تتحمل وجود شخصية لا تحظى بقبول وطني عام. فمن حيث دور الموقع ورمزيته، هو صمام أمان، لذا لا بد للرئيس ان يتمتع بقبول عام.

ربما ادرك العماد ميشال عون هذه الوظيفة لرئاسة الجمهورية وشروطها. وهذا ما يفسر محاولة وقوفه في نقطة وسط بين الاطراف السياسية. لكن توقيت التموضع عشية انتخابات الرئاسة يثير الشكوك حول صدقية هذه الخطوة. فهل فرضتها حسابات الاستحقاق الرئاسي ام هي نتيجة قناعة جديدة تشكلت لديه وبالتالي لا يغير شيئا فيها فوزه في الرئاسة الاولى او خسارته؟ كذلك يوجه الدكتور سمير جعجع رسائل الود المباشرة وغير المباشرة الى حزب الله. فالرجلان (عون وجعجع) اسيرا الملعب المسيحي، والمنافسة على الشارع المسيحي بينهما هي الهاجس الاساس، والا ما معنى ان تتبنى القوات اللبنانية، فضلا عن العماد ميشال عون، مشروع اللقاء الارثوذكسي؟

الرئاسة اللبنانية شرطها القبول الوطني والتوافق الاقليمي والدولي، وليست القوة مسيحياً. والرئيس اذا كان يحتاج حجما من التأييد المسيحي، فهو بالدرجة نفسها يحتاج الى تأييد في الشارع الاسلامي، والادق هو شرط القبول الوطني العام بالنسبة إلى موقع الرئاسة الاولى واولوية تتقدم على اي مرشح إلى موقع آخر، ومنها رئاستا البرلمان والحكومة.

قد يقول البعض ان الرئيس ميشال سليمان أخلّ بهذا الميزان، لكن الانصاف يقتضي القول ان الرئيس سليمان قام بانتفاضة ضد الاستهانة بسيادة الدولة وموقع الرئاسة الاولى، باعتبار ان انخراط حزب الله في الحرب السورية كسر كل الثوابت، وقرر عن الجميع الدخول في حرب داخل دولة اخرى. وهذا السلوك المستفز هو ما حرك الحساسية الوطنية لدى سليمان في مواجهة هذا السلوك المستهين بالرئاسة اللبنانية والدستور والثوابت. وهو لم يقم بمثل هذه الانتفاضة حين اسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية، ولم يعرقل تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لأنه كان لا يزال يرى في ما حصل انه يتم، الى حدّ ما، تحت سقف الدستور، بينما القتال في سورية لا يمكن تبريره. من هنا يسجل للرئيس سليمان انه رسخ نوعا من عرف واداء رئاسيَّيْن غير مسبوقين. أداء لن يستطيع اي مرشح تجاوزه بعدما عجز حزب الله عن كسره في الوعي الوطني العام

السابق
إسرائيل تلغي الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين
التالي
مصدر لـ الانباء: الاسد وحزب الله يناوران بتمسكهما بعون مرشحا للرئاسة