مسرحية الطائفة 19: كليشيهات رحبانية تشتم الملحد وتؤلّه العسكر

فيلم أميركي طويل
هي مسرحية كليشيهات رحبانية ما عاد الرحابنة يستعملونها حتّى، كلّ مشهد فيه أغنيتان أو أكثر، ولا أصوات جميلة، ولا كلمات مؤثّرة، ولا لحن جديد، بل اجترار للألحان الرحبانية وطريقة تنويعها. ومسرحية كليشيهات مذهبية ضدّ الملحدين. وكليشيهات "العسكر" كحلّ وحيد في وجه الأزمات. العسكر الذين لا زالوا يراكمون الفشل تلو الفشل منذ أوّل انقلاب عسكري عربي في أربعينات القرن الماضي إلى اليوم.

أسوأ ما في مسرحية “الطائفة 19” أنّها تهاجم الملحدين: “أو بتنكروا دينكم أو بترجعوا على طوايفكم”. بهذه النظرة النمطية يختصر كاتبا المسرحية “الأخوان صبّاغ” الكلام عن لسان “قائد مدسوس” في “معارضة الطوائف”.

والمعارضة هذه هي مجموعة من 18 “مريضا نفسيا”، هم نزلاء سجن رومية الذين كانت الدولة تريد أن تعالجهم من مذهبيتهم، فأعطاهم طبيب ياباني “حبّة ضدّ الطائفية”، فصاروا هم “الأصحّاء” وتقسّم لبنان إلى 18 ولاية طائفية ليصير “الولايات المتحدة اللبنانية”.

المسرحية عبارة عن صفّ كلام مليء بالتنميط. شعارات أكثر منها مسرحية. وتستعير من مسرح الأخوين رحباني الموسيقى الجبلية والغناء الذي يبدو نسخة مشوّهة عن أصوات وأغنيات نصري شمس الدين ووديع الصافي وفيروز، مع فرق رقص محترفة كانت الأكثر جمالا في المسرحية. وتستعير من مسرح زياد الرحباني وصفة جاهزة بأنّ “الطائفية مرض يجب معالجته”. تماما كما في مسرحية “فيلم أميركي طويل”. والكاتبان هما “الأخوان داغر” (في استعارة من الأخوين رحباني أيضا).

الخلاصة العبقرية التي يخلص إليها الكاتب أنّ “الحلّ بمغاوير الجيش”، في أكثر من ساعتين من تأليه الجيش والمغاوير. والبطل، يوسف الخال، هو من “الضبّاط الأحرار” في الجيش تقريبا. يمضي نصف دوره وهو ينظر إلى الأعلى كما في مسرحيات الأطفال، والنصف الثاني منها يضرب التحية للجيش والعلم، كما في ألعاب الأطفال أيضا.

وبطل المسرحية ليس ضدّ المذاهب بل هو ضدّ الإلحاد والملحدين، على اعتبارهم “سوس”. أي أنّ البطل الذي تريدنا المسرحية أن نلحق به وأن نمشي على خطاه هو خلطة من شخصية الرئيس المصري الرحال جمال عبد الناصر (ضابط حرّ تقدّمي) ومن الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي (مؤمن متديّن) ومن الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب (عسكري وقائد جيش صار رئيسا). والخلاصة: العسكر هو الحلّ.

هكذا يبدو النصّ متخلّفا عن اللحاق بما يجري في لبنان والعالم العربي، على خلاف ما كانه المسرح الرحباني، الذي رثا القرية وكان رؤيويا في النظرة إلى الواقع، وتنبؤيا في الكثير من أعماله، إذ أنّ الواقع لم يتغيّر كثيرا في 50 عاما.

أو ربما كاتبا النصّ “يمتصّان” ما يجري في العالم العربي كإسفجة، بلا نقد. فالنصّ برأيه أن لا حلّ إلا بالعسكر، أو بحبّة يابانية تذيب الطائفية من عقول اللبنانيين المرض. هي الخرافة، لكن ممزوجة باقتراح أكثر من خرافي. فالعسكر هم المشكلة في العالم العربي وفي لبنان. فكلّ القيادات اللبنانية إما تأتي من الميليشيات العسكرية أو من الأجهزة العسكرية أو من فوضى السلاح. وكذلك الأمر تقريبا في الدول العربية، قبل الربيع العربي وبعده.

وتقترح المسرحية، الغنية بفنون الإضاءة الحديثة وبلوحات رقص جميلة وبراقصين موهوبين، وبممثلين يتراوحون بين الوسط وما دون الحدّ الأدنى من الموهبة، تقترح “تشكيل طائفة جديدة نسميها الطائفة 19 لأنّ شطب المذهب عن إخراج القدي لا يشطبه عن السجلات الرسمية إلا إذا غيّرنا الطائفة، والقانون يسمح بإنشاء طوائف جديدة لأنّه يسمع بتعدّد الأديان، لكن يظلّ كلّ منّا على دينه”. طبعا مع شتم الإلحاد والملحدين كما لو أنّهم “سوسة”.

هي مسرحية كليشيهات رحبانية ما عاد الرحابنة يستعملونها حتّى، كلّ مشهد فيه أغنيتان أو أكثر، ولا أصوات جميلة، ولا كلمات مؤثّرة، ولا لحن جديد، بل اجترار للألحان الرحبانية وطريقة تنويعها. ومسرحية كليشيهات مذهبية ضدّ الملحدين. وكليشيهات “العسكر” كحلّ وحيد في وجه الأزمات. العسكر الذين لا زالوا يراكمون الفشل تلو الفشل منذ أوّل انقلاب عسكري عربي في أربعينات القرن الماضي إلى اليوم.

السابق
هاشم نشأت السلمان… وعيُهُ اللحظة كلّفه حياته
التالي
حزب الله سينتصر في سوريا.. وطلباته: كما في 2000