بين غفلة القيادات.. وإحباط الشعوب!

يبدو أن المنطقة العربية تمرّ بمرحلة عصيبة، تحت ضغط التطورات الدراماتيكية في أكثر من بلد عربي، وما أدّت إليه من تفجير تناقضات اجتماعية وطائفية وإتنية، باتت تُهدّد وحدة أكثر من بلد عربي!

أينما يمّمت وجهك في الإقليم المضطرب، تحاصرك مؤشرات الحذر والقلق التي تهيمن على المزاج العربي، تربك أصحاب القرار، وتضاعف مشاعر الخوف والريبة مما تحمله الأيام المقبلة.
وتلعب الخلافات العربية – العربية، والتي وصلت رياحها إلى مجلس التعاون الخليجي، دوراً سلبياً ومؤثراً، في نشر مناخات الإحباط لدى شرائح واسعة من الشعوب العربية، التي بدأت تراودها الشكوك، من مسار ما سُمي «الربيع العربي»، الذي انحرف عن أهداف التغيير والإصلاح، وإنشاء الديمقراطيات، إلى مهاوي الفتن الداخلية بين مكونات الشعب الواحد، والبلد الواحد، وإشعال الصراعات، وشتى أصناف المواجهات، في سباق محموم على الثروات، وعلى الاستئثار بالسلطة.
وأدى انهيار ركائز النظام العربي، التي كانت تجمع الثلاثي: مصر، السعودية وسوريا إلى إحداث فراغ كبير في مرجعية القيادة العربية، فضلاً عن غياب المرجعية القادرة على استيعاب الخلافات العربية – العربية، والعمل على تطويقها، على النحو الذي كان يحصل في العقدين الأخيرين من القرن الماضي.
وساعد هذا الفراغ في تشجيع قوى إقليمية غير عربية، إيران، إسرائيل وتركيا على التدخل في الشؤون العربية، وتحقيق اختراقات خطرة على الأمن العربي، أصبحت تشكّل تهديداً مباشراً لاستقرار وسيادة ووحدة أكثر من بلد عربي!

وارتفع منسوب القلق في دول مجلس التعاون، كما في أكثر من عاصمة عربية، بعد انفضاض القمة العربية، من دون تحقيق المصالحة المنشودة داخل البيت الخليجي، وحتى من دون التوصّل إلى اتفاق على استراتيجية عربية موحدة، تكون قادرة على التصدّي للأخطار الجسيمة المحدقة بالأمة، والتي تحمل في بذورها تهديداً واضحاً لهوية المنطقة العربية، على خلفية الهجمة الإيرانية المتمادية في أكثر من بلد عربي، والتي تحقق تقدماً بعد الآخر، في ظل غفوة، أو عجز عربي، لا فرق!
والأمانة التاريخية تقتضي منا أن نسجّل لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجهود والمساعي الجبارة، التي بذلها طوال الأشهر والأسابيع التي سبقت موعد انعقاد القمة العربية الأخيرة في الكويت يومي 25 و26 آذار الحالي، حيث استطاع إنقاذ القمة من التأجيل أولاً، ثم من الانهيار ثانياً، عى خلفية الخلافات المستفحلة عربياً وخليجياً، والخروج من اجتماعات القادة العرب بتوافق الحد الأدنى، على البديهيات، بعدما تعذر الاتفاق على سُبل معالجة القضايا الساخنة والملفات الحسّاسة، وفي طليعتها الأزمة السورية، والعلاقة مع إيران، فضلاً عن الموقف من ثورة السيسي في مصر.

والواقع أن الخوض في خريطة الخلافات العربية، لا يُبشّر بالخير، بل العكس تماماً، حيث أصبح الشارع العربي يعيش هواجس الصراعات الأخوية والإخوانية، أكثر مما تشغله مخططات الاستيطان والتهويد، التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
المواطن الخليجي يمرّ بتجربة غير مسبوقة على إيقاع الخلاف المتصاعد بين قطر وثلاث دول خليجية رئيسية هي: السعودية والامارات والبحرين. هذا الخلاف الذي يُهدّد آخر تجربة عربية مشتركة بالتصدع والانهيار، إزاء تفاقم هذا الخلاف، وغياب أية مرجعية عربية قادرة على رأب هذا الصدع في الجسم الخليجي. والمعروف أن قطر دأبت منذ فترة على الخروج عن الإجماع الخليجي في أكثر من قضية حسّاسة، وانعكس تغريدها خارج السرب سلباً على أكثر من قضية عربية.
لم يشفع لليمنيين قبولهم بتجرّع كأس الفيدرالية المرّة، فاستمرت التدخلات الإيرانية والقطرية في تحريك الحوثيين حتى طرقوا أبواب صنعاء، وهددوا المؤسسات المركزية للدولة.
ولم تنفع مشاريع الحوار والإصلاح في البحرين، في استعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد المضطرب منذ أكثر من ثلاث سنوات، تحت ضغط الهجمة الإيرانية على المنطقة.
ولم تفلح المساعي العربية والدولية في إعادة الروح إلى مؤتمر جنيف، واستئناف البحث عن حل سياسي للأزمة السورية، التي تنذر بسنوات مديدة من الحروب المذهبية والمناطقية، تقضي على ما تبقى من سوريا العربية، بشراً وحجراً.
ولم تنجح دعوات أهل الحكمة في ليبيا في ردع المسلحين عن مغامراتهم الانفصالية، أو على الأقل الانضواء تحت سلطة الدولة المركزية لتحقيق أحلامهم السلطوية والنفطية، الأمر الذي يهدّد وحدة ليبيا، دولة وشعب وأرض، بعدما بسطت القبائل سيطرتها على مناطق تواجدها، وتلقى المسلحون ما يكفي من الدعم الخارجي، للعبث بأمن الليبيين وأحلامهم في إقامة دولة الحرية والديمقراطية.
وما تتعرّض له «أم الدنيا» مصر، من مواجهات دموية ومسلحة في سيناء، وبعض المدن المصرية الأخرى، يحمل أكثر من رسالة على حالة الضياع التي تسبق عادة الانهيار الكبير على مستوى النظام العربي كلّه.
أما ما يجري في العراق، فيؤكد أن بلاد الرافدين تسير نحو تقسيم، قد يتجاوز حدود الفيدرالية، ويؤدي إلى ضياع الهوية العربية لدولة كانت حتى الأمس القريب تعتبر «بروسيا العرب»!

لسنا في مجلس مناحة، ولكنها معالجة صريحة، ومخففة بعض الشيء، للواقع المأزوم في المنطقة العربية، وما يثيره من مناخات الإحباط واليأس لدى الشعوب العربية، التي يبدو أنها أكثر استشعاراً لأخطار المستقبل، من كثير من القيادات العربية الغارقة في الحسابات الأنانية الضيّقة!

السابق
باسل ترحيني اصغر متسلقي قمة كلمنجارو
التالي
الانتخابات الرئاسية على خط المفاوضات الأميركية – الإيرانية