هل يكره أهالي طرابلس الجيش؟

الجيش في طرابلس
ربما يشعر أهالي طرابلس بتخلّي الدولة عنهم، لكن ليسوا هم من يعتدي على جنود الجيش اللبناني. المستفيدون في تعميم هذه الصورة عن الجيش هم فقط المسلّحون والذين عددهم قليل بين أبناء المدينة وغالبيتهم من خارج نسيجها. المستفيدون هم قادة المحاور الذين يريدون أن يبسطوا سلطتهم على كل شيء، المدراس والمحلات التجارية والشوراع ليعود بطرابلس إلى عصر اللجوء إلى حماية "القبضايات".

قد يظنّ من يشهد الاعتداءات المتكرّرة في طرابلس أنّ أهالي المدينة يكرهون الجيش، أقلّه هذه هي الصورة الّتي يحاول البعض أن يسوّق لها. هذا أيضاً ما يبتغيه بعض المتأسلمين الذين يحرّضون ضدّ الجيش وقادة المحاور في المدينة.

الصورة الّتي يجري تعميمها هي طرابلس الكارهة للجيش وطرابلس الخارجة عن القانون. لا يخفي أحد الاعتداءات المتكرّرة ضد الجنود وحواجز الجيش في المدينة. لماذا هذه العدائية إذاً؟ وهل هي صادرة فعلاً عن أهالي المدينة؟

لقد كانت علاقة طرابلس مع الجيش على خير ما يرام ولم يكن هناك مثل هذه المشاكل حتّى خلال حرب نهر البارد والقضاء على حركة فتح الإسلام، لم تصدر يوماً مواقف من أهل طرابلس ضد الجيش. ما السبب إذاً في هذا التحوّل؟

بداية الأمر، هناك دور للسياسيين وللدولة اللبنانية بإضعاف الجيش وكسر هيبته. وقد اعترف الرئيس ميشال سليمان بالأمر خلال خطابه في مجلس الوزراء حين قال إنّ الاعتداءات ضد الجيش ستستمر طالما هو قوّة فصل فحسب. يموت الجنود مجّاناً في طرابلس والدولة لا تعطي الأمر بتحويلهم إلى قوّة ردع ليضعوا حدّاً لما يحصل في المدينة.

ومع مرور الأيّام، يصبح من الأصعب إيجاد الحلول وتطبيقها لتفشّي الفلتان الأمني. الجيش الذي يحمل عناصره مختلف الطوائف ويضم الكثير من أبناء عكّار الشمالية متروك من سلطته العليا ودولته فمن الظلم أن يعلن المسؤولون كلّ فترة أنّ خطة أمنية ستطبّق في طرابلس وأنّ القوى المدنية والجيش ستضرب بيد من حديد ليظهر بعدها أنّ هذا كلّه “مجرّد كلام” ولا قرار فعلي بإنهاء ما يجري.

في هذه الإعلانات المتكرّرة عن الخطط الأمنية يظهر المسؤولون كالمعلنين. وهم لا يعرفون أنّهم يروّجون لعدم مصداقيتهم وبالتالي يضرّون بمنتجهم. المتضرّر هنا هو الجيش الذي تحوّل إلى قوّة لا حول لها ولا قوّة.

منذ أيّام فقط، توفي المؤهّل فادي الجبيلي وترك وراءه أربعة أطفال. والجبيلي قبل أن يكون في سلك الدولة هو ابن المدينة. ذهب هكذا. لم يكن يحمي وطنه ولم يقضِ في معركة، بل هكذا ضحية، كما مدينته.

بين صفوف أهل المدينة هناك من يتّهم الجيش بالاصطفاف مع أهالي جبل محسن، رغم أنّ الجيش لم يكن يوماً يتصرّف على هذا الأساس. كلّ ما يفعله الجنود هو أنّهم يساعدون أهالي الجبل حين تشتد المعارك ويصبح هناك نوع من الحصار عليهم.

بين صفوف أهل المدينة أيضاً من يلوم الجيش على ضعفه وعدم قدرته على المواجهة والحدّ من الاشتباكات في طرابلس. هذه الملامة ليس من باب الكراهية طبعاً. هي من باب اليأس والأمل في أن تتوقّف جولات العنف في طرابلس.

ما يجري في هذه المدينة المنكوبة منذ حوالي الثلاث سنوات هو حرب بكل معنى الكلمة، حرب تتناساها الدولة والمسؤولون الذين كانوا المسبّب الأساسي فيها. ما يحصل أيضاً هو إضعاف ممنهج للجيش.

يدخل الجنود لمصادرة مخزن أسلحة ما فيقوم السياسي ليدافع عن صاحبه ويمنع إلقاء القبض عليه. بعض من في هذه السلطة السياسية أيضاً يشعر أنّ الجيش عدو وأنّه ظالم ولا يتمنّع عن التعبير عن رأيه علناً لأنّ قيادة الجيش بشكل او بآخر صارت محسوبة على حزب سياسي معيّن.

ولكن هل يمكن إلقاء الملامة على الجيش؟ ربما يمكن لوم القيادة لعدم حزمها ولأنّها قبلت هذا الإقحام في الدوامة السياسية ولكن ليس هناك لوم على الجنود الذين لا يفعلون شيئاً غير تلقي الأوامر.

عودة إلى السؤال الأساسي: هل يكره أهالي طرابلس الجيش؟ الجواب هو قطعاً لا. ربما يشعرون بالتخلّي ولكن ليسوا هم من يعتدي على الجنود. المستفيدون في تعميم هذه الصورة عن الجيش هم فقط المسلّحون والذين عددهم قليل بين أبناء المدينة وغالبيتهم من خارج نسيجها. المستفيدون هم قادة المحاور الذين يريدون أن يبسطوا سلطتهم على كل شيء، المدراس والمحلات التجارية والشوراع ليعود بطرابلس إلى عصر اللجوء إلى حماية “القبضايات”.

لمّا فقد اهل السياسة السيطرة على المسلّحين، باتوا اليوم يسعون إلى ضمّهم تحت لواء الدولة، ليس لشيء بل لأنّهم يدركون جيّداً أنّهم هم سبب الحال التي آلوا إليها. المدينة ذنبها في رقابهم وحلول “الترقيع” لن تنفع. والذي يجب ان يعيه المسؤولون أنّ الأمور تتفاقم يوماً بعد يوم وأنّ حلّا نهائيّاً صار مطلوباً الآن بعيداً عن مصالحهم الشخصية وإلّا سيأتي دورهم في الخسارة وسيأتي قريباً جداً.

السابق
ملف الرئاسة (3): جان قهوجي.. على درب لحّود وسليمان؟
التالي
كما سوريا، لن يعود لبنان إلى ما كان…