حزب الله في سوريا: توازن إيراني – إسرائيلي!

نصرالله والاسد
تدخّل "حزب الله" في سوريا، ومن خلفه إيران، كان بهدف تأبيد النظام القائم، وهو الذي لا يتأبّد إلا على ما قام عليه: إيران على يمينه، و"إسرائيل" على يساره. بما يترتّب على ذلك من استعباد وتدجين لشعوب المنطقة. هذه معادلة باتت الثورة منذ انطلاقها، يهدّد استمرارها بتحطيمها. هذا ما يُفسّر الممارسات الإنتقامية لهذا الحزب الذي قد لا يجد له مكاناً بعد انتصار الثورة.. إن بقيت البلاد موحّدة.

تعدّدت تبريرات “حزب الله” لتدخّله إلى جانب النظام السوري بهدف شلّ الثورة المشتعلة منذ ثلاثة سنوات، وما زالت. وتعدّد التبريرات هذا لم يكن من قبيل إرباك حاصل فقط، وإن كان هذا الإرباك موجوداً بالفعل. فالإرباك حاصل بطبيعة الحال ويتجلّى في آلية تسويق هذه التبريرات، وليس في التبريرات ذاتها.

فكيف ذلك؟
استخدم “حزب الله” حجة “حماية المقاومة”، مفترضاً أنّ الثورة قامت ضدّها. وكان في ذلك يخاطب محيطه العربي. وقد آتت هذه الحجة أُكُلها فعلاً بالنسبة لشريحة عربية واسعة من ذوي التوجّهات “القومية”، و”الماركسية” المستنسخة بشكل حرفي عن “الإتّحاد السوفييتي السابق”.

واستخدم ثانياً حجة قتال “الإرهاب الأصولي”، فكانت هذه الحجّة متزامنة بشكل ملفت مع إطلاق النظام للمعتقلين الإسلاميين من سجونه، وهو الذي كان يقدّم لهم التسهيلات إبّان الغزو الأميركي للعراق. عدا عن حوادث أمنية ملفتة تثبت تورّطه بالمشاكل الأمنية التي عانى منها لبنان في الفترة الأخيرة، ليس آخرها قضية الوزير السابق ميشال سماحة، ثم مذكّرات قضائية لبنانية بحق بعض ضباطه تُثبت تورّطهم. بهذه الحجّة كان “حزب الله” يقصد إبعاد شبهة الإرهاب عنه، بادّعاء محاربته.
ثم استخدم ثالثاً حجّة التدخّل لحماية “المقامات والمقدّسات” من جهة (وهو سبب حقيقي أكثر منه تبريري، أي أنه السبب الذي ينفي ويكشف زيف ما قبله “كحماية المقاومة”، “ومحاربة الإرهاب”)، و من جهة ثانية مسألة “المظلومية التاريخية” لتبرير خطوته أمام حاضنته الإجتماعية التي بدأت تتململ بعد الخسائر الكبيرة التي تكبّدها. وما عاد باستطاعته إخفاءها أمامهم. وهو ما يشي بثقافة شعبية خطرة عمل هذا الحزب على تعميمها في مناطق سيطرته منذ نشأ. وهذا ما سيولّد أحقاداً قد لا تنتهي بعقود بين شعبين شقيقين، الأمر الذي سيترك انعكاساته الكارثية على علاقاتهما، رغم أصوات العقلاء من رجال الدين والمختلفين معه في الميول والتوجّهات المطالبين بوضع حد لممارسات هذا الحزب في هذه البيئة.

هذه التبريات مجتمعة تظهر الإرباك المأزقي في موقف الحزب، بحيث أنّ أيّ واحدة منها ينسف الكل. واستخدامها جميعاً دليل فاضح على ارتباكه.
لعلّ التبرير الثالث، وبعد هذا الكم الهائل من الجرائم المرتكبة في سوريا، بات يتماثل إلى حد بعيد مع مظلومية اليهود في “الهولوكوست”، والتي استخدمها الصهاينة لتبرير جرائمهم في فلسطين. خصوصا أنّ “حزب الله” مدعوما من ايران، إضافة إلى أنه يمثّل ذراعاً لها في المنطقة. تلك الدولة الثيوقراطية القائمة على أسس دينية لا تخفى على أحد، عدا عن أنّها “احتلاليا”، لا تقلّ شأناً عن “اسرائيل”، ناهيك عن طموحات هيمنية هنا وهناك.

فإيران تحتلّ الأحواز العربية، والجزر الإماراتية، التي صرّح رئيسها السابق محمود أحمدي نجاد في العام 2010، بأنّ “البحرين جزء من الأراضي الإيرانية”. وهي دولة توسعيّة لا تكفّ عن تدخّلها في شؤون الدول العربية من خلال الأقليات الشيعية فيها. هذا حاصل في اليمن من خلال “الحوثيين”، وفي المناطق الشرقية من السعودية، والبحرين، وغيرها كالعراق والسودان وبعض دول القرن الأفريقي، عدا عن لبنان وسوريا من خلال “حزب الله”، والنظام الذي أدخل سوريا في حيّز “الأمن القومي الإيراني”.
تدخّل “حزب الله” في سوريا، ومن خلفه إيران، كان بهدف تأبيد النظام القائم، وهو الذي لا يتأبّد إلا على ما قام عليه: إيران على يمينه، و”إسرائيل” على يساره. بما يترتّب على ذلك من استعباد وتدجين لشعوب المنطقة. هذه معادلة باتت الثورة منذ انطلاقها، يهدّد استمرارها بتحطيمها. هذا ما يُفسّر الممارسات الإنتقامية لهذا الحزب الذي قد لا يجد له مكاناً بعد انتصار الثورة.. إن بقيت البلاد موحّدة.

السابق
النهار: علي ورفعت عيد غادرا لبنان عبر معابر غير شرعية
التالي
ملف الرئاسة (3): جان قهوجي.. على درب لحّود وسليمان؟