هل نجح أوباما في “طمأنة” السعودية؟

ربما، لكن فقط في الفضاء “الدبلوماسي- العاطفي”. فهو كرر التمسُّك بالتحالف التاريخي بين البلدين الذي يعود بجذوره إلى 80 سنة، وتعهد (كما أشار مسؤولون أميركيون) بعدم إبرام أي “صفقة ضعيفة” مع إيران حيال برنامجها النووي، مشفوعاً بتعهد آخر بـ”التشاور” مع المملكة في هذا الشأن.

كل هذه الإلتزامات، التي قدمها أوباما للملك عبد الله في منتجع صحراوي ساحر قرب الرياض،  قد تحرّك المشاعر وتداعب الحنين في المملكة إلى عهد سابق كانت فيه للسعودية الكلمة الأولى في البيت الأبيض إزاء العديد من قضايا الشرق الأوسط الإسلامي.
بيد أن القادة السعوديين لن يكتفوا بالطبع بالكلمات الرنانة التي يعرفون دورها عن ظهر قلب. فهم في النهاية أسياد الدبلوماسية الحاذقة التي تميّز بدقة بين التكتيكات العلنية وبين الاستراتيجية الضمنية. كان القادة يريدون أن يسمعوا من الرئيس الأميركي كلاماً واضحاً حول جملة معقدة من المسائل التي انفجرت مؤخراً الخلافات حولها بعنف بين الطرفين:
– من وقف الدعم الأميركي للإسلام السياسي المتمثّل بجماعة الأخوان المسلمين، وبالتالي العودة إلى التحالف التاريخي مع الإسلام في طبعته السعودية؛
– إلى عدم إضفاء الشرعية على النفوذ الإيراني الإقليمي، سواء في منطقة الخليج أو المشرق العربي،
– مروراً بحسم الموقف الأميركي المتردد من عملية إسقاط النظام السوري، والذي لايرى فيه السعوديون (التردد) سوى أدلة على أن واشنطن قد انحازت بالفعل إلى المصالح الاستراتيجية الإيرانية في المشرق العربي، وبالتالي وإلى الشيعة، في الصراع المذهبي الراهن الذي تقوده طهران والرياض.
– ثم هناك بالطبع  الشكوى السعودية من تواصل ضغوط بعض التيارات الأميركية عليها للقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية أوسع مدى، تحت شعار ضمان استقرار الكيان السياسي للمملكة. وكان فردريك ويري، الخبير في شؤون دول الخليج في مؤسسة كارنيغي، فصيحاً في التعبير عن هذه التيارات (في كتاب ومقالات صدرت له مؤخراً حول العلاقات الأميركية- السعودية) حين دعا علناً إلى ربط المظلة الأمنية الأميركية لدول الخليج بإدخال إصلاحات في كلٍ من النظام السياسي وقطاع الأمن فيه، لأن ذلك (على حد تعبيره)” أمر بالغ الأهمية لاستقرار المنطقة على المدى الطويل”.
ويعتقد بعض المحللين أن قرار الملك عبد الله الأخير بتعيين أخيه غير الشقيق الأمير مقرن كولي لولي العهد قبل وصول أوباما إلى السعودية، كان رسالة واضحة إلى واشنطن بأن مسألة الخلافة في السلطة لن تسفر عن لا استقرار في المملكة.
تطمينات لا ضمانات
هل حصل السعوديون على مايريدون في هذه القضايا خلال قمة عبد الله- أوباما؟
فريدريك ويري لا يرى ذلك، وهو يعتبر أنه “ليس ثمة طريقة لطمأنة الخليجيين لأنهم يعتبرون النفوذ الإيراني خطراً وجودياً عليهم”.
 أنطوني كوردسمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، يؤكد أيضاً هذا الأمر. قال (فايننشال تايمز- 30-3-2014): ” كثير من الناس (يقصد بالطبع الحلفاء السعوديين) في المنطقة يشعرون أن الولايات المتحدة تتحوّل إلى إيران. الصعب علينا نحن أن نفهم أسباب ذلك، لكن هناك بالفعل نظرية مؤامرة تقول أن الولايات المتحدة بدأت تتخلى عن العرب الخليجيين وتتحوَّل إلى إيران والشيعة. وفي هذه النقطة، يتعين أن يكون دورنا طمأنة السعوديين حيال استمرار كلٍ من الوجود الأميركي في الخليج ودعم واشنطن لمجلس التعاون الخليجي”.
بكلمات أوضح، إدارة أوباما مستعدة لطمأنة الخلييجين لمن من دون ضمانات لا بتغيير توجهها  الخاص بالاستدارة إلى آسيا (Pivot ) (إلا بالطبع إذا ما اندلعت بالفعل حرب باردة جديدة بينها وبين روسيا بسبب أوكرانيا)، ولا في وقف السعي إلى إبرام صفقة مع إيران ، لمجرد معالجة القلق الذي تشعر به دول الخليج.
هذه نقطة.
وثمة نقطة ثانية لاتقل أهمية: واشنطن تدرك أن السعودية وبقية السرب الخليجي غير قادرين على التخلي عن المظلة الأمنية الاميركية، ببساطة لأنه لا الصين ولا الاتحاد الأوروبي ولا حتى روسيا في مقدورها ضمان الأمن الخليجي كما تفعل الولايات المتحدة. ولذا، فهي مطمئنة إلى أنها قادرة على مواصلة سياستها الراهنة، الهادفة إلى لعب دور “مايسترو موازين القوى” بين الرياض وطهران وبين السنّة والشيعة، من دون أن تتعرض مواقعها الاستراتيجية الراهنة إلى أي خطر.
دوافع الرياض
بالطبع، الرياض تدرك ماتدركه واشنطن. لكن، وطالما أن الأمر على هذا النحو، أي طالما أن المملكة تعرف أنها غير قادرة على الاستغناء عن خدمات الشرطي العالمي الأميركي، لماذا تنشر غسيل خلافاتها  على السطح مع واشنطن بشكل لم يسبق له مثيل طيلة ثمانية عقود؟
ثمة على الأرجح سببان: الأول سايكولوجي، والثاني سياسي.
السبب السايكولوجي يعود بالفعل إلى غضب حقيقي تشعر به النخبة الحاكمة السعودية بسبب ماتعتبره “خيانة” واشنطن لحلفائها التاريخيين في المنطقة، من بن علي إلى مبارك مروراً بالأسرة الحاكمة البحرينية، من دون أن يرف لها جفن. ولأن هذا الغضب ترافق مع القلق على تأثيرات هذه “الخيانة” على الأوضاع الداخلية، خرجت السياسة الخارجية السعودية للمرة الأولى عن قواعد الحيطة والحذر والنفس الطويل التي لطالما اشتهرت بها، واندفعت إلى ممارسة توجهات “انتفاضية” في طول المنطقة وعرضها.
أما السبب السياسي فهو أن المملكة، ومعها قوى إقليمية أخرى في المنطقة، تعتقد أنها قادرة، من خلال إبداء التعارض العلني مع السياسات الأميركية، على تعديل هذه السياسات، خاصة وأن ثمة قطاعات نافذة في الولايات المتحدة، على رأسها الحزب الجمهوري الذي قد يفوز بمجلس الشيوخ في الخريف المقبل ومنصب الرئاسة في العام 2016، ترفض جل توجهات إدارة أوباما وتعتبر أنها قد تقوّض الزعامة الاميركية في العالم.
هذان السببان، مضاف إليهما تعقُّد المشهد الداخلي في السعودية بسبب تقدم القادة الحاليين  بالسن، سيواصل تزخيم السياسة الخارجية السعودية ودفعها إلى مواصلة سياستها المستقلة الراهنة حيال مصر والبحرين وتونس وسورية وإيران بالتعارض مع واشنطن.
ماذا في وسع إدارة أوباما أن تفعل في ضوء هذا “تمرد” الحلفاء عليها، من مصر إلى السعودية، على هذا النحو؟
بالضبط مافعله أوباما في الرياض: تقديم الوعود وتهدئة المخاوف، لكن ربما مع جرعة مادية محدودة قد تتمثل بمماشاة الرغبة السعودية بتعديل موازين القوى في سورية، لكن ليس إلى الدرجة التي تُغضب طهران أو تؤثر على مسيرة المفاوضات معها.
أما ملفات الإخوان وإيران ومصر، فسيكون عليها انتظار ما ستتمخض عنها أزمة أوكرانيا- أوروبا- روسيا، ومعها طبيعة النظام الدولي الجديد.
السابق
هيئة التنسيق تعود إلى الشارع مجدداً… اضراب عام الأربعاء
التالي
اطلاق نار كثيف تزامنا مع بدء كلمة السيد نصر الله