سورية بعد 3 سنوات من الرعب لا بد للغرب محب السلام أن يفسر

في حين كانت عيون العالم شاخصة هذا الأسبوع على شبه جزيرة القرم, بلغ الصراع في سورية مبلغا بشعا آخر. يوم الثلاثاء قبل الماضي شهد مرور ثلاث سنوات منذ أن فتحت حكومة بشار الأسد السورية النار على متظاهرين مناهضين للحكومة, وما كان متوقعا لفترة من الوقت أن يكون صراعا قصيرا نسبيا, انتهى اليوم الى حالة من الجمود الدموي من دون وجود نهاية في الأفق.
قتل مئة وخمسين ألف مواطن على الاقل منذ بدء الحرب, وفر نحو ثلاثة ملايين مواطن الى الخارج, كما هجر 42 في المئة من السوريين -أكثر من سكان مدينة نيويورك- منازلهم, و يقتل في المتوسط 136 شخصا يوميا في سورية.
هذه ليست أضرارا جانبية, كما يستخدم البعض هذه العبارة القبيحة, بل نتيجة حتمية لحرب متعمدة يشنها ضد المدنيين النظام البعثي السفاح.
يعتمد موقف الحكومة السورية على جعل الحياة بالنسبة الى أولئك الذين يعيشون في المناطق المعارضة له صعبة قدر الإمكان, ولهذا السبب يقصف المدنيين ويحرمهم من الحصول على المساعدات التي أمرت الامم المتحدة بإرسالها عبر الحدود, ويمنع جهود التطعيم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. كما قال كينيث روث من منظمة “هيومن رايتس ووتش” فإن جزءا من ستراتيجية الأسد يعتمد على استهداف المدارس, والمستشفيات و”كل تلك الأمور التي تجعل العيش في تلك المناطق ممكنا “.
أصبحت سورية في الأساس أشبه بتدريب على الحد من الأضرار, اصبحت بلدا يبدو أننا في الغرب فقدنا تماما أي اهتمام به, فجوزيف ستالين قال ذات مرة :”في حين أن وفاة شخص واحد قد تكون مأساة, فان موت مليون مجرد إحصاء”, وهذا ما يعتقده بشار الأسد الآن بشكل يكاد يكون مؤكدا , فمنذ ثلاث سنوات وقوات الحكومة السورية تطلق النار على المتظاهرين, واستمر الصراع ووضع بإحكام في يد الغرب, اذ بعد ستة أشهر في بحث الضربة العسكرية العقابية ضد نظام دمشق في برلماننا (البرلمان البريطاني) ابتعد هذا النزاع عن الأجندة السياسية تماما.
في الواقع , إذا كانت استطلاعات الرأي لا تمثل كل شيء, فإن القرار بعد ذلك جاء باستخدام تصويت مجلس العموم لإخماد احتمال التدخل العسكري بشعبية كبيرة, كما لعب التحالف السياسي البريطاني على نحو فعال في موضوع حفنة من السوريين طالبي اللجوء الى بريطانيا.
إن السياسة البريطانية تعتمد – بعبارة أخرى- على نسيان الأجانب والنظر في”مشكلاتنا” الخاصة.
حتى الآن, سواء أحببنا ذلك أم لا, نحن مشاركون على الأقل في بعض المسؤولية عما حدث في سورية. السياسيون لدينا يدينون للعراق بكارثة, وبعد, اذا كنا ثابتين على مبادئنا تماما فإننا سوف نلعن هؤلاء المسؤولين الذين فشلوا في التصرف في مواجهة مذبحة دموية في سورية. فالمذبحة في أماكن مثل الفلوجة أفقدت هؤلاء مصداقيتهم لأنهم اعتقدوا بامكانية زرع الديمقراطية البرلمانية في المجتمعات من خلال فتحات قاذفات طائرات”B52″.
كما قالت الكاتبة الفرنسية باسكال بروكنر, فإن اولئك الذين “قد يأملون في رؤية نسخ محلية من برلمان ويستمنستر في كابول, او الجزائر, او موسكو, لابد أن يكونوا صبورين, ولابد ان يتعلموا قبول الضرورة”. لكن رغم كل ذلك, فإن إراقة الدماء في سورية تدل على أن التقاعس عن العمل في كثير من الأحيان يكون سيئا كما التدخل إلى جانب المعتدي ضد الضحية.
سورية, نقولها صراحة, هي كحال العراق المناهض للتدخل. ليست هذه ملاحظة روائية خاصة. فهناك الكثير من الأمثلة على تدخل غربي دموي لا لزوم له, ولكن تماما كالعديد من الحالات التي قد تحتاج فيها الى أعداد هائلة من الناس لمن ينقذها, فإن عواقب عدم فعل أي شيء فظيعة جدا حين نفكر فيها. إن استبعاد خسائر الحرب من دون قبول أي مسؤولية عما يحدث نتيجة للتقاعس يعني ببساطة توقف تفكيرنا عند نقطة واحدة في الواقع.
بعد درس العراق الرهيب, من السهل الوقوف ضد فكرة مفادها إن التدخل العسكري لا يمكن أن تكون له نتيجة إيجابية, ولكن مثل هذا التفسير بالأبيض والأسود في التاريخ يعني محو الذاكرة في ما يتعلق بتجارب البوسنة ورواندا, ويعني أن طوني بلير سوف يكون مطاردا إلى الأبد من متظاهرين يرفعون لافتات ضده لأنه أخذ البلاد إلى حرب مع صدام حسين, ولا ننسى أن جون ميجور كان رئيسا للوزراء في زمن مذبحة صربرنيتشا سيئة السمعة عام 1995, وهي أسوأ جريمة حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
في ذلك الوقت, اتبعت بريطانيا سياسة بلغت أصداؤها وموسيقاها آذان كل ناشط مناهض للحرب: جلسنا, مكتوفي الايدي بينما حوصر ثمانية الاف مسلم بوسني في بلدة صربرنيتشا وقتلوا على أيدي جيش صرب البوسنة بقيادة راتكو ملاديتش. لم يتدخل الـ”ناتو” لوقف القتل إلا في نهاية المطاف, ولكن واجه مقاومة شرسة من الحكومة الرئيسية, حيث حذر انغلندر توريزم من “حقل مستوى القتل “.
روبرت هنتر, سفير الولايات المتحدة لدى حلف شمال الاطلسي بين عامي 1993و1998, كان يعتقد أن حكومة جون ميجور تتحمل جزءا من المسؤولية عن المجزرة بسبب عرقلتها تدخل الأمم المتحدة أو حلف شمال الأطلسي.
“إن فشل الـ”ناتو” في التوصل إلى اتفاق على عمل عسكري جدي يمكن أن يعزى إلى جهود دولة حليفة واحدة,بريطانيا العظمى”. كما قال هنتر.
قد يعكس نقاد المقاعد الوثيرة التدخل في أفغانستان أيضا بعض الإنجازات التي كانت ممكنة فقط بسبب الغزو عام 2001. فوفقا لصحيفة “واشنطن تايمز”, التحق 900 الف طفل أفغاني بالمدرسة في عام 2001 , وليس الكثير من الفتيات, اليوم العدد يصل الى نحو ثمانية ملايين ثلثهم من الفتيات, وقد ارتفع متوسط العمر في البلاد أيضا من 42 عاما إلى 62, وانخفض معدل وفيات الأطفال من 172 الى 97 لكل الف ولادة حية.
نسمع الكثير من التعليقات عن تحقير”محاربي المقاعد الوثيرة ” لكن يسهل إطلاق النار على أصحاب الخطب المتعجرفة عن”كارثية الحرب” انطلاقا من سرير دافئ مريح, ومعدة ممتلئة, في ظل ديمقراطية ليبرالية مادام أنه لم يحدث أن حرمت ابنتك, أو أختك, أو زوجتك من التعليم من قبل منظري بندقية “كلاشنيكوف” رغم كل شيء.
سوف لن تمارس بريطانيا أي جزء من أي حل للصراع في سورية لأنها كما الولايات المتحدة ليس لديها – ببساطة – شهية لفرض ضغط عسكري على الأسد لجلبه إلى طاولة المفاوضات. أفضل ما يمكن لأي شخص معني بمحنة السوريين أن يفعله في هذه المرحلة هو الضغط على الحكومة البريطانية قدر الإمكان لقبول العديد من اللاجئين السوريين جراء هذا الصراع.
خلاصة القول في الوقت الذي يقترب فيه عدد القتلى في سورية بكل ثبات من مئتي الف ينبغي أن نكون واضحين تماما في أمر: ليس فقط الصقور والمحافظين الجدد من يتوجب عليهم أن يشرحوا ويفسروا, بل إن الراغبين في الابتعاد والهروب عند مواجهة كوارث بشرية كالتي تحدث في سورية ينبغي أن يخضعوا أيضا للمساءلة.

السابق
بين العراق وشبه جزيرة القرم
التالي
حكاية شهيد تختصر قصة الثورة السورية