فضل الله: ندعوالدول العربية لان تكون بمستوى طموحات شعوبها

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فهي زادنا في الدنيا والآخرة. ولبلوغ التقوى، علينا أن نستهدي بهدي بضعة رسول الله(ص)، وسيدة نساء العالمين، السيدة الزهراء(ع)، وأن نقتدي بها قولاً وفعلاً، فلا نغفل عن ذكر الله قط. وفي حديث نقلته الزهراء(ع) عن أبيها رسول الله(ص)، قالت(ع): “دخل عليّ أبي رسول الله(ص)، وقد افترشت الفراش وأردت النوم، فقال: “يا فاطمة، لا تنامي حتى تعملي أربعة أشياء: حتى تختمي القرآن، وتجعلي الأنبياء شفعاءك، وتجعلي المؤمنين راضين عنك، وتعملي حجة وعمرة”. فقلت له: “يا رسول الله، أمرتني بأربعة أشياء لا أقدر في هذه الساعة على أن أفعلها”، فتبسّم رسول الله(ص)، وقال لي: “لكنك تستطيعين أن تفعليها، وبوقت قصير”، فقلت: “كيف؟”، فقال: “إذا قرأت بعد الفاتحة “قل هو الله أحد” ثلاث مرات، فكأنك ختمت القرآن، وإذا صلّيت عليّ وعلى الأنبياء من قبلي، فقد صرنا لك شفعاء يوم القيامة، وإذا استغفرت للمؤمنين والمؤمنات، فكلهم راضون عنك، إذا قلت: “اللَّهُمَّ اغفِر لِلمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ، الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ، َتَابِع اللهم بَيْنَنَا وَبَينَهُم بِالخَيرَاتِ. اللَّهُمَّ اغفِر لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، ذَكَرِنَا وَأُنثَانَا، صَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا”. وإذا قلت: “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، فقد حججت واعتمرت””.

أيها الأحبَّة، لقد التزمت الزهراء(ع) بوصية أبيها(ص)، فما كانت تغمض عينيها إلا بعد أن تطمئن إلى أنها وفت ما وعدت رسول الله(ص) به. فلتكن الزهراء قدوتنا في ذلك، فلا نبدأ نهارنا إلا بالثناء على الله تعالى، ولا ننهيه بتغييب الله عنا. فليبق الله حاضراً في قلوبنا وعقولنا وألسنتنا وأبصارنا وكل جوارحنا، لا نكل ولا نمل ولا نهدأ حتى نطمئن إلى أنه راضٍ عنا. بهذا الصدق مع الله نصل على أعلى المواقع، ونحقّق أهدافنا، ونواجه التَّحديات، وما أكثرها!

والبداية من القمّة العربيّة في الكويت؛ هذه القمّة التي توجهت نحوها الأنظار، لعلّها تساهم في رأب الصدع في العالم العربي، وتعالج الأزمات التي يُعانيها الكثير من بلدانه، وتدرس الوسائل الكفيلة بإيقاف نزف الدم المستمر في سوريا والعراق والبحرين واليمن ولبنان والصومال وليبيا ومصر وغيرها، وتوجّه رسالة قوية إلى الكيان الصهيوني ومن يقف معه، وهو الذي يستمر في استباحته للقدس والمسجد الأقصى، ويواصل سياسته الاستيطانية، وحصاره لغزة، وتهويده لفلسطين.

ولكن رغم الهدوء الذي اكتنف أجواء هذه القمة، جاءت النتائج لا تتناسب مع تحديات هذه المرحلة ومخاطرها، رغم بعض الإيجابيات المتمثلة في رفض القمة المطلق الاعتراف بيهودية الكيان، ودعوتها إلى معالجة الوضع في سوريا من خلال الحوار، ودعمها للجيش اللبناني وقواه الأمنية، وتوجيهها التحية للمقاومة في لبنان وصمود الشعب اللبناني في مواجهة الاحتلال.

ونحن لانزال نعتقد بأنَّ عدم صدور القرارات الحاسمة ورسم الآليات لتنفيذها، لا ينطلق من عدم قدرة العالم العربي على ذلك، فهو قادر على أن يفعل الكثير لمعالجة قضاياه الأساسية، لو قرر أن يكون له مكان في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، ولو عمل على أن يتكامل ويتعاون فيما بينه، بحيث يشدّ بعضه أزر بعض، ويقويّ قويّه ضعيفه، ويساعد غنيّه فقيره، ويخرج من منطق استضعاف نفسه، ويستعيد قدراته، وإمكاناته المادية، وثرواته الطبيعية، وطاقاته البشرية والحيوية.. ولكنَّه تفرَّق وتشاجر، وراح بعضه يكيد للبعض الآخر ويسعى إلى تدميره، وسمح للّذين لا يريدون له خيرا،ً أو يريدونه بقرة حلوباً لمصالحهم، بأن يجدوا مجالاً ليعبثوا بأمنه واستقراره، ويمسكوا بزمام أموره.

لهذا، وانطلاقاً مما جرى ويجري في هذه القمّة، وفي داخل العالم العربي، نعيد دعوة الدول العربية إلى أن تكون في مستوى طموحات شعوبها وأحلامها، فمن حق هذه الشعوب أن تتطلَّع إلى عالم عربي موحّد؛ عالم متكامل مع العالم الإسلامي، ومنفتحٍ على العالم كله، أسوّة بالعالم الآخر الذي بات يبني سياساته واقتصاده على قواعد الوحدة، لا على أسس الانفصال بين الدول.. وبذلك، نكون منسجمين مع قيمنا ومبادئنا التي يعدّ عنوانها الأساس: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}.

وهنا، نأسف كثيراً ونحن نستمع في القمّة إلى أحد القادة العرب، حين يتحدّث عن الوضع في سوريا، فيقول إنَّ تغيير الواقع فيها لا يتم إلا بالحسم العسكري، وكأنَّ سوريا من خارج هذا العالم العربي، وكأنّ الدم الذي ينزف هناك، ليس دماً عربياً، وكأن سوريا ليست أرضاً عربية، أو جزءاً من المستقبل العربي. كما نأسف لما جرى أخيراً، من سحب سفراء وغير ذلك، مما يعمّق الانقسام حتى في الدوائر العربية التي كانت لفترة طويلة بمنأى عنه.

ونعود إلى لبنان، حيث لا يزال هذا البلد يعيش العنف المتصاعد في العديد من مناطقه، والذي بات لا يقتصر على الحوادث الأمنية المتكررة في طرابلس أو البقاع أو بيروت، بل امتد إلى داخل الأسر والمدارس، التي يفترض فيها أن تكون محاضن تربوية ومواقع سكينة واطمئنان. وقد هالنا ما شاهدناه في الأسبوع الماضي من مشاهد العنف الدامي، في قتل رجل لزوجته الحامل، أو القسوة في التعامل مع تلامذة المدارس.

 إننا أمام هذا الواقع الذي ينطلق من أسباب قد تكون نفسيَّة أو اقتصاديَّة أو معيشيَّة أو تربويَّة، ندعو الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، وكلّ المعنيين بالتربية، وعلماء الدين على وجه الخصوص، إلى أن تتضافر جهودهم من أجل معالجة هذا الواقع بمعالجة أسبابه، أو التخفيف من تداعياتها، إن لم نتمكّن من حلّة المشكلة أو إزالتها، فلا نكتفي بتشديد العقوبات القاسية على الفاعلين، رغم أهمية ذلك. وفي الوقت نفسه، فإننا نؤكد أهمية الخطوات الأمنية التي أقرتها الحكومة في جلستها الأخيرة، والتي نأمل أن تكون هذه المرة جدية ومتوازنة وعادلة، بعيداً عن كل الحسابات الطائفية والمذهبية والسياسية، بما يساهم في تخفيف معاناة أهلنا في طرابلس والبقاع وغيرها من المناطق اللبنانية، كما ندعوها إلى مواكبة ذلك بسعي مستمر، لتنمية المناطق الفقيرة المستضعفة، والتخفيف من حدة المشاكل الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بهذا البلد.

ونحن نعتقد أن تسيير عجلة المؤسسات الدستورية، بدءاً بالمجلس النيابي والحكومة، وصولاً إلى تأمين مناخ للاستحقاق الرئاسي، في ظل حرص الجميع على مصلحة الوطن كله، سيؤدي إلى تأمين الاستقرار، ولو النسبي، لهذا البلد، فقد آن الأوان لإنسانه أن يرتاح، ويتفرغ لمواجهة تداعيات محيطه، وخطر العدو الصهيوني، وكل الاستحقاقات القادمة.

السابق
5 آلاف كادوا يشربون المازوت في صيدا
التالي
مشاهير الأغنياء : لعدم توريث أموالهم