هكذا انتقم حزب الله لضحايا التفجيرات

في معلومات الأجهزة الأمنية الرسمية في لبنان، أن منطقة القلمون السورية كانت منطلق العمليات الإرهابية التي استهدفت المدنيين في الضاحية والبقاع الشمالي خلال الأشهر الماضية. جهاز أمن المقاومة يلاحق المتورطين في تلك العمليات، في سوريا، بالتنسيق مع الجيش السوري والأجهزة المعنية. في ما يأتي، معلومات تُنشر للمرة الأولى عن تفاصيل عملية ملاحقة هؤلاء ومعاقبتهم، في مناطق خاضعة لسلطة المعارضة السورية «نعرفكم بالأسماء وأيدينا ستصل إليكم. لا أحد يفترض أنه إذا فتح معركة معنا سيحسمها هو، نحن من نحسم المعركة ونوقّت نهاية كل معركة». كانت هذه كلمات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في 16 آب 2013. مضى وقت طويل على خطاب السيد. المجموعات التكفيرية العاملة ضمن المجموعات المسلحة في سوريا واصلت جنونها الدموي. انتحاريون يقودون عدداً غير قليل من السيارات المفخخة، عمدوا إلى ارتكاب مجازر بحق مدنيين من كل لبنان، وفي أكثر من منطقة من لبنان. الشارع الحاضن، أعلن التزامه خيار المقاومة. وسرعان ما توسعت حلقة إدانة هذه الجرائم من قبل قسم كبير من اللبنانيين والسوريين والعرب. لكن أية إجراءات فعلية لم تصدر عن قوى فاعلة لوقف هذا الجنون. بل أصر البعض على تقديم الذرائع والتبريرات، ما ألزم قيادة حزب الله بالعمل بقوة مضاعفة لمعالجة الأمر، على طريقة من بيده الأمر. قرار حزب الله كان واضحاً منذ اليوم الأول. في لبنان، الملاحقة والمحاسبة من مسؤولية الدولة. وجهاز أمن المقاومة، معني بتقديم كل ما لديه من معطيات تساعد التحقيقات. أما في داخل الأراضي السورية، فكان قرار بالتعاون مع الجيش السوري والأجهزة الأمنية السورية في الوصول إلى معاقل هؤلاء، والتثبت من هيكلية العمل والأدوار والمسؤولين الفعليين، والمشاركين في التخطيط والتنفيذ، والعمل على توقيفهم أو قتلهم إذا تعذر. بعدما تأكدت المعلومات عن وجود مراكز تفخيخ وتخطيط في منطقة القلمون، وصلت المعلومات عن حركة المشغلين والمنفذين بين عدة مناطق. من النبك ودير عطية ويبرود، وصولاً إلى فليطا والقرى المجاورة لها، وصولاً إلى رنكوس وجرود عرسال. وانطلقت أكبر عملية استخباراتية، تطلبت وضع وحدات الرصد والتعقب والمتابعة الدؤوبة كلها في خدمة الهدف. وفي كل محطة كانت تسقط قرى أو بلدات بيد حزب الله والجيش السوري، كانت المعلومات تتدفق أكثر فأكثر، ومن أوقف من المسلحين ساعد على تقديم أجزاء مكملة للصورة، كما هي حال من أُوقفوا في لبنان. وكانت الخطة تنقسم إلى شقين: الأول: العمل على تعطيل الاستعدادات العملية، وصولاً إلى إحباط عملية نقل سيارات مفخخة إلى لبنان. وقد تطلبت هذه العملية جهوداً جبارة، نجحت في تحقيق الكثير من الأهداف التي لا تزال طيّ الكتمان. الثاني: الوصول إلى الجهات المتورطة والمجموعات المشاركة من لحظة اتخاذ القرار إلى عملية نقل السيارات وصناعة المتفجرات إلى عملية التفخيخ والنقل، وصولاً إلى مطاردة الانتحاريين. بعد يبرود بعد سقوط يبرود، في عملية أمنية وعسكرية معقدة جداً، وحصول انهيارات كبيرة في صفوف المسلحين وقادتهم، سعى جهاز أمن المقاومة بالتعاون مع السلطات السورية الأمنية والعسكرية إلى حصر حركة المعنيين بهذا الملف. وقد قادت معلومات موثقة إلى وجود مخازن ومستودعات إضافية خارج يبرود، وأن هناك عملاً قائماً فيها لإرسال المزيد من السيارات المفخخة إلى داخل لبنان، وخصوصاً بعدما قررت قيادات هذه المجموعة المسارعة إلى تنفيذ عمليات انتحارية في لبنان مباشرة بعد سقوط يبرود، كرد وانتقام وكإعلان أن سقوط يبرود لن يوقف هذا النوع من الأعمال. وأدى استعجال هؤلاء إلى ارتكاب مجموعة من الأخطاء سببتها المعابر المغلقة وضعف آليات التنسيق. وكانت محاولة الهرمل من خلال إرسال سيارتين، واحدة علقت وتعطلت قرب مدرسة في بلدة الفاكهة، والثانية تمكنت من الوصول إلى الطريق العام، برغم أن عجلاتها كانت مثقوبة. وعندما حاول الانتحاري الوصول إلى شخص يساعده على إصلاح العطل، اصطدم بالشهيد خليل الخليل الذي أعطاه عنواناً للتوجه إليه، ثم طارده بعد تواصله مع الشهيد عبد الرحمن القاضي. وطارد الشهيدان الانتحاري حتى اعترضا طريقه، فعمد إلى تفجير نفسه، ما أدى إلى استشهادهما وإنقاذ المنطقة من مجزرة، بينما عمد الانتحاري الآخر إلى ترك السيارة والفرار، قبل أن تعثر عليها استخبارات الجيش وتفجرها في اليوم التالي. مخزن حوش العرب في هذه الأثناء، كانت الوحدات الأمنية في المقاومة تواصل عملية التعقب للفارين من يبرود، ونجحت في الوصول إلى آلية تواصل وتنسيق بين هذه المجموعات، مكنتها من تحديد نقطة التقاء وتعاون. وتبين أنها تقع في منطقة تعرف بحوش عرب، بين رنكوس ومعلولا وعسال الورد. وقد تبين أن المسلحين قد استولوا على فيلا من طبقتين، تقع ضمن مزرعة تضم مباني أخرى، وموجودة في منطقة جردية، يحيط بها سور كبير، وتوجد بقربها مجموعات مسلحة تنتشر في المنازل المجاورة. تقرر البدء بعلميات الاستطلاع. وقد توجهت إلى هناك مجموعات خاصة، عملت على فحص المكان من كل جوانبه، وأمضت عدة ليالٍ في التدقيق في كل المعطيات حول حركة الناس في المنطقة وطبيعتها الجغرافية وحجم المنازل، وأية طوابق يجري العمل عليها. وقد أعدت مجموعات الاستطلاع خرائط مفصلة مرفقة بصور فيديو، ساعدت على مناقشة الخطوة التالية. وتبين أنه قد يكون من الصعب إنجاز عملية أسر واعتقال لهذه المجموعة، نظراً إلى اعتبارات كثيرة. وبعدما تقرر تصفية الموجودين هناك، جرت مراجعة لمطعيات كثيرة، بينها أن نقطة الهدف تبعد أكثر من عشرة كيلومترات عن آخر نقطة فيها الجيش السوري ومجموعات حزب الله. كذلك إن المنطقة مزدحمة بممرات وطرقات تستخدمها المجموعات المسلحة المتنقلة في تلك المنطقة. وقد زاد عدد المسلحين بعد فرارهم من يبرود. كذلك هناك حاجة إلى توفير قوة دعم كبيرة إن تقرر الاشتباك. بناءً عليه، تقرر تفجير الفيلا بالعناصر إياهم. وبعد أيام عدة من الرصد الدقيق، ومن مسافات قريبة جداً، أمكن جهاز أمن المقاومة الوصول إلى خريطة مفصلة للمبنى المستهدف والطرقات المؤدية إليه. كذلك حُدِّدت المسالك الرئيسية للتقدم صوبه وطرق الانسحاب، وخطة التغطية النارية في حال حصول أي خلل أو انكشاف. وفي آخر عملية استطلاع، جرى تأكيد هوية العناصر الذين يدخلون إلى تلك الفيلا خلال ساعات النهار ويغادرونه ليلاً، حيث تبين أن الفيلا مجهزة بمستودع فيه السيارات المعدة للتفجير، وبغرف تجري فيها عملية طبخ المواد المتفجرة. العقاب يوم الجمعة الماضي، اتخذ القرار بتنفيذ العملية، بعدما اتفق على تفخيخ المبنى من خارجه بطريقة لا تحدث ضجة ولا تثير الريبة وتتيح تدميره بصورة كاملة. واختيرت نوعية العبوات المناسبة، وعدد أفراد المجموعة التي يفترض أن تتقدم. السبت بعد الغروب، انطلقت القوة الخاصة. فيها عناصر استطلاع متقدمون. وفيها عناصر اتصال لمواكبة كل ما يحصل دقيقة بدقيقة. وفيها مجموعة الهندسة التي كانت تحمل العبوات الناسفة وتستعد لزرعها، بالإضافة إلى مجموعات التغطية التي يجب عليها تأمين عملية الدخول والخروج من تلك المنطقة. وأثناء التقدم، صودف أن مرت مجموعة من المسلحين الذين يجرون عمليات تبديل مستمرة في المنطقة. وخلال لحظات، بدا كأن احتمال حصول مواجهة قائم، وقد تتغير الخطة. لكن المسلحين ابتعدوا بعدما تيقنوا من عدم وجود غرباء. التفخيخ والتفجير اقتربت المجموعة من السور لجهة اليمين، وخلال دقيقة جرى تجاوز السور إلى داخل حديقة الفيلا، حيث بدأت عملية زرع كمية من العبوات في باحة الحديقة، وكمية أخرى عند زوايا الجدران، وكمية ثالثة قرب المدخل الرئيسي وكمية رابعة عند الأبواب الخلفية. وقد أنجزت القوة الخاصة عملية تركيب العبوات خارج المنزل ضمن المهلة الزمنية المطلوبة. علماً أن مجموعة الحماية كانت في حالة يقظة خاصة، بعدما تبين أنه يوجد على بعد أقل من 40 متراً، مجموعة أخرى من المسلحين، تقيم في منزل قريب. وبعد تمويه العبوات بطريقة تحول دون كشفها، والتثبت من نجاح الجانب التقني، عمدت المجموعة المهاجمة إلى الانسحاب مئات من الأمتار إلى الخلف. بينما ظلت مجموعة على مسافة قريبة جداً من نقطة الهدف. كان على المجموعة اللصيقة التثبت من أمرين: الأول دخول جميع المستهدفين إلى المنزل، وضمان عدم وجود مدنيين في المكان. وعند الصباح، وكما تقول المعلومات المدققة، بدأ الإرهابيون بالوصول إلى الفيلا، وتولت المجموعة القريبة المصادقة على وصولهم ودخولهم واحداً واحداً. وبعدما تأكد المعنيون أن الجميع صاروا في الداخل، طلب إلى المجموعة اللصيقة الابتعاد قليلاً إلى الخلف، حيث خط الانسحاب المقرر. ثم تولت مجموعة عملية التفجير من مسافة غير بعيدة أيضاً. كان الانفجار ضخماً جداً. وأسهم في ذلك وجود كمية كبيرة من المواد المستخدمة في صناعة المتفجرات داخل الفيلا نفسها. وأدى الانفجار إلى هدم الفيلا بصورة كاملة، وظلت جثث المسلحين تحت الأنقاض. وبعد دقائق بدأت عملية الانسحاب بصورة سريعة جداً، واستلزمت تكتيكاً آخر؛ لأنها تجري في وضح النهار، وتأخذ في الاعتبار أن الانفجار سيستدعي وصول مجموعات كبيرة من المسلحين إلى المنطقة. لكن المقاومة كانت قد وفرت في حينه، تأميناً نارياً لأي طارئ، واختيرت طرقات أخرى للانسحاب غير تلك التي استخدمت خلال عملية التوغل. بينما كانت وحدات مدرعة ومن سلاح الجو السوري في حالة استعداد للتدخل عند الحاجة. أبو تراب: كأننا أمام إسرائيل أحد عناصر القوة الخاصة في المقاومة الذي شارك في هذه العملية النوعية، روى لرفاقه بعد العودة أنه طوال رحلة الذهاب والإياب، كان يتذكر عمله في الشريط الحدودي المحتل في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي وعملائه من جيش لحد. المقاوم هو ابن إحدى بلدات قضاء مرجعيون، اقتحمها العدو وفجر منزل أهله فيها، ما أدى إلى استشهاد عدد من أفراد عائلته، قبل ان يستقر العدو في موقع القبع على طريق بلدة مركبا الحدودية القريبة. ويروي «أبو تراب» أنه بعد حين، تقررت مهاجمة مواقع قوات الاحتلال في تلك المنطقة. «كنت واحداً ضمن مجموعة حملنا عبوات ناسفة كبيرة جداً، وانطلقنا في رحلة قاسية لتجاوز كمائن إسرائيلية ولحدية، ومعها منظومة معقدة من التكنولوجيا الإسرائيلية المنتشرة في الممرات إلى الشريط. وقد زرعت الطرقات بالرادارات الافرادية، الموصولة بسلسلة المواقع الضخمة، والمجهزة بعشرات دبابات الميركافا وبأجهزة رؤية حرارية وليلية ونهارية. ومع ذلك وصلنا إلى موقع العباد المشرف على بلدة حولا، حيث نُفِّذت عملية ضخمة أوقعت 15 قتيلاً وجريحاً في قوة إسرائيلية. وكان بين هؤلاء ضباط في وحدات الهندسة وكشف العبوات الناسفة في جيش الاحتلال». «أبو تراب» نفسه، يحزن لأن هناك من قرر تكرار الأمر نفسه. وهو يتذكر أشلاء قريبة له استشهدت في تفجيرات الضاحية الجنوبية أخيراً. ويقول: «عندما انطلقنا في رحلة التنفيذ في القلمون، شعرت بأنني أتوجه إلى نفس الجناة، من صناع سيارات الموت. ونحن نعرفهم بالأسماء والتفاصيل الدقيقة والوجوه أيضاً. ونحن عندما قررنا معاقبة هؤلاء، لم نكن نثأر، ولم نفكر بأحد غير المتورطين في العمل الإرهابي. وفي وضح النهار، عمدت إلى التأكد منهم واحداً واحداً، كيف دخلوا المنزل الذي يصنعون فيه هدايا الموت لأطفالنا، وتثبت شخصياً، من أن ﻻ مدنيّ بينهم، وليس هناك من عابر سبيل».

السابق
فرنجية: سأكون حزيناً إذا تم إكتشاف يد لسوريا في الاغتيالات بلبنان
التالي
استشهاد المؤهل في الجيش فادي الجبيلي بعد اطلاق النار عليه