الدوائر الضيقة لبشار الأسد لا تتحدث العربية!

يمكن ببساطة التوصل إلى استنتاج محدد في حال مراقبة أداء المؤسسة الرسمية الأردنية عندما يتعلق الأمر بالموضوع السوري فالحدود المشتركة والملاصقة للجحيم السوري أصبحت محط انتباه وتركيز الدولة الأردنية على مستوى الأفراد وكذلك المؤسسات.

من هنا تحديدا ولدت قصة الهجوم الإستراتيجي الكبير الذي يتم تحضيره لاستعادة درعا وحالة الطوارئ التي دخلت فيها جبهة النصرة فيما عمان تترقب الحيثيات والوقائع وهي غارقة حاليا في سؤال وطني ومحلي بامتياز هو: ماهي الكلفة داخل الأردن في حال بدأت معركة عسكرية ضد جبهة النصرة في درعا خصوصا في ظل النفوذ الإجتماعي المتنامي للتيار السلفي الجهادي داخل الأردن؟.
الجواب قد يحتاج إلى فترة من الوقت لكن خيارات عمان الإستراتيجية أنها لا تريد السماح بتحشيد كل هذا الكم من الجهادين في درعا التي تفصلها أمتار فقط عن مدن أردنية بأكملها خصوصا في ظل غياب الجيش النظامي واحتمالية وصول أسلحة متطورة إلى الجهاديين.

لذلك وفي القمة العربية حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من كثرة تحشد المتطرفين في الأرض السورية.

بين المحاور الأساسية أردنيا والتي يتفاعل النقاش على أساسها الإعتقاد الجازم بأن تركيبة وطبيعة ‘حلقات الحكم’ الدقيقة في النظام السوري تغيرت مؤخرا لصالح مستشارين إيرانيين ولبنانيين يتولون المهام الأساسية بما فيها حماية القصر الجمهوري والطرق السرية المعقدة المقامة تحت الأرض بين مراكز أساسية في الحكم وجبل قاسيون.
معنى ذلك عمليا أن المحيطين بالرئيس بشار الأسد اليوم لم يعودوا من ‘العائلة أو الحزب الحاكم’ او حتى من الطائفة مما يرجح نظرية ‘خليجية’ تتصور بأن الحراسات الشخصية لمقرات الرئاسة السورية يتولاها اليوم مقاتلي كوماندوز يتبعون الحرس الثوري الإيراني وهؤلاء ـ لايمكن إخفاء ملامحهم- التي رصدها بعض زوار بشار الأسد من أنصاره الأردنيين الذين قدم بعضهم إفادات إلى الجهات الرسمية حول تفاصيل مرئية تمكن خبراء من تحليلها تتحدث عن حراس ومرافقين لا يتحدثون العربية.
نخبة من مقاتلي حزب الله يتمركزون عمليا في نقاط قريبة جدا من خطوط التواصل الأساسية في الشوارع السريعة والدولية حول العاصمة دمشق وثمة ‘علنية’ مقصودة في بروز وظهور رجال حزب الله الذين يمكن تمييزهم على طرق وحواجز عامة يرصدها العابرون.
مقابل ذلك أصبحت الدائرة السياسية والإعلامية في حزب الله بمثابة الجسر المركزي للعبور نحو التواصل مع الرئيس بشار أو حتى مع طهران وقد حصل ذلك فعلا مع نشطاء أردنيين زاروا دمشق وطهران بترتيب من وكلاء أردنيين يعملون مع نظام بشار ويحصلون على إسناد وتمويل ودعم لوجستي وبين الشعب المعنية في مؤسسة حزب الله.
خلافا لذلك يتصورالأردنيون بصفة رسمية أن تقاسما ملموسا للنفوذ وحلقات الإتصال جرى بين إيران وحزب الله وموسكو لحلقات الحكم والإدارة بالمفاصل السورية لصالح تراجع ملحوظ في الشخصيات الأساسية المحسوبة على النظام نفسه وعلى عائلة الأسد وهنا تحديدا يتكرس الإنطباع بأن مؤسسة الجيش السوري أصبحت تماما ‘حصة روسيا’ باستثناء الجزء المتعلق بالحرس الجمهوري والفرقة الرابعة فهي حصة الإيرانيين وتحديدا الحرس الثوري الإيراني.
وجهة نظر مستقلة على هامش النقاش اعتبرت أن دوائر النفوذ الإيرانية واللبنانية في عمق معادلة حكم دمشق تسعى إلى تحويل الوضع الداخلي في سوريا من وضعية ‘حرب واشتباك عسكري’ إلى وضعية ‘انفلات أمني’ وفقا للسيناريو الجزائري بمعنى أن تتحول المسألة من ثورة ومعارضة مسلحة إلى جهاديين متطرفين وإرهابيين مطاردين بمعنى ‘مشكلة أمنية’ وليس عسكرية أو شعبية أو سياسية.
ذلك قد يتطلب إعادة تموضع الثقل الديمغرافي ‘الفلسطيني’ تحديدا في سوريا عبر إقرار مبدأ اختفاء مخيم اليرموك من حضن العاصمة كمعلم بارز للوجود الفلسطيني ونقله لمكان آخر مع تحريك مخيمات أخرى في أقرب نقطة ممكنة للقنيطرة والجولان على أساس إنتاج جيب ‘مقاومة فلسطيني سوري’ ولاحقا لبناني دائم وأبدي في مواجهة إسرائيل تفعيلا لمنطوق تعهد الرئيس بشار الأسد بفتح باب المقاومة أمام اللاجئين الفلسطينين.
هذا التحريك الديمغرافي قد يفيد في أي معركة تفاوضية أو سياسية لاحقا في إطار الصراع الأصلي بين إيران وإسرائيل التي تسحب بدورها خياراتها التصعيدية بعد رسالة ‘القذائف’ التي وصلتها مؤخرا في هضبة الجولان وبعد السيطرة الكلية على يبرود والقلمون خصوصا مع الإرتباك الواضح في الأداء التركي شمالا والإطمئنان السوري لدور الحليف العراقي ضد ‘داعش’ في العراق شرقي البلاد.
الأردنيون بإختصار من جانبهم مصرون على المستوى السياسي على أن المجتمع الدولي ‘ضللهم’ في ملف اللاجئين وأنهم يواجهون أعباء لا طاقة لهم عليها أمنيا وإقتصاديا خصوصا مع تكثيف التهريب والتسلل من الأردن إلى سوريا وبالعكس مما جعلهم يخطون خطوة ‘أمنية’ هذه المرة باتجاه دمشق.

 

السابق
’8 آذار’ ترفض تسليم ’الداتا’
التالي
عرب بين زمنين