السلوك في لبنان امتحان لإيران

من حسنات الحكومة اللبنانية الجديدة أنها لا تبيع اللبنانيين الأوهام. لا تعدهم بأشياء ليست قادرة عليها، لكنها تعدهم بالعمل على انتخاب رئيس جديد للجمهورية تفاديا للفراغ الذي يعتبر الرئيس تمّام سلام أنه «أسوأ ما يمكن أن يصيب نظامنا السياسي«، مضيفا: «لا ينتظرنّ أحد المعجزات. سنقدّم كلّ ما نستطيع لمعالجة الأولويات الملحّة«.
باختصار، لا يعد رئيس مجلس الوزراء اللبناني الجديد مواطنيه بشق طريق مفروشة بالورود. انه يعرف تماما ما ينتظر حكومته ويخشى أن تكون هذه الحكومة مجرّد غطاء لما يرتكبه «حزب الله« في سوريا، حيث يشارك نظاما فئويا في ذبح شعبه من منطلق مذهبي بحت. أكثر من ذلك، يعرف اللبنانيون ما الذي يعدّه النظام السوري لبيروت وطرابلس وعرسال ومناطق ومدن وبلدات أخرى بدعم من «حزب الله» وادواته المنتشرة في كلّ الأراضي اللبنانية…هذا هو الواقع الذي يفترض أن لا يغيب عن اللبنانيين الذين فرحوا بولادة حكومة بعد عشرة أشهر وعشرة أيام على تكليف مئة وأربعة وعشرين نائبا، من أصل مئة وثمانية وعشرين، تمّام سلام القيام بعملية التشكيل.

أخيرا، نالت الحكومة اللبنانية الثقة بعد مخاض صياغة البيان الوزاري الذي كشف طبيعة التحديات التي تواجه الوطن الصغير. هناك بكلّ بساطة من يسعى، في المدى الطويل، الى تغيير طبيعة النظام في اتجاه المثالثة.

هناك من يريد فرض المثالثة، اي ثلث للسنّة وثلث للشيعة وثلث أخير للمسيحيين بقوّة السلاح. يتقدّم أحيانا ويتراجع في مرّات أخرى وفق ما تمليه الظروف. والظروف تملي حاليا توفير الغطاء الحكومي اللبناني للتورط الايراني في سوريا عبر «حزب الله».

قبل ذلك لم تكن عملية تشكيل الحكومة سهلة. كان لا بدّ من انتظار كل هذه الاشهر قبل أن تتراجع ايران عن شروطها التي كان يتولى الاعلان عنها الأمين العام لـ«حزب الله» الذي كان يصرّ على صيغة 9-9-6 التي تعني فرض الثلث المعطّل على أي حكومة لبنانية. كان مطلوبا أن يكون تشكيل حكومة تمّام سلام مؤشرا الى تكريس صيغة الثلث المعطّل بشكل نهائي، علما أن واجب النظام اللبناني عمل كلّ شيء من أجل رفض هذه الصيغة التي تشكّل خطوة أولى على طريق تكريس الانسداد التام في البلد بدل العمل على تطوير اتفاق الطائف وسدّ الثغرات في حال كانت هناك ثغرات.

ليس صدفة أن تشكيل حكومة نوري المالكي في العراق، بعد انتخابات السابع من آذار-مارس 2010 التي فازت فيها قائمة برئاسة الدكتور أياد علّاوي، استغرق عشرة أشهر أيضا. ربّما أرادت ايران تأكيد أنها باتت تمتلك حق الفيتو على تشكيل الحكومات في لبنان والعراق، فضلا عن أنها تتحكّم كليا بالنظام السوري الذي يمكن أن يسقط في أي لحظة من دون الدعم الذي تقدّمه له.

لماذا قدّمت ايران تنازلات على الصعيد الحكومي في لبنان؟ هل تريد أن تظهر حسن نيّة تجاه «الشيطان الاكبر» الاميركي الذي دعم بدوره تشكيل حكومة لبنانية يشارك فيها «حزب الله»؟ أم أنها ستكتفي حاليا بالغطاء الذي توفّره الحكومة لـ«حزب الله»؟

لا جواب واضحا الى الآن عن هذا السؤال، لكن الملفت أن الادارة الأميركية ضغطت من أجل تشكيل حكومة تضمّ اعضاء من «حزب الله»، فيما يبدو أن همّ ايران محصور حاليا في توفير غطاء لبناني لمشاركة الحزب التابع لها في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه.

من هذا المنطلق، كان وصف الرئيس سعد الحريري للحكومة قبل بضعة اسابيع من تشكيلها وصفا في غاية الدقّة. قال انها «حكومة ربط نزاع». وهي بالفعل كذلك، في ضوء استيعاب أكثرية اللبنانيين خطورة مشاركة ميليشيا مذهبية لبنانية تعتبر لواء في «الحرس الثوري» الايراني في الحرب السورية الى جانب نظام ذي طبيعة معروفة جيّدا.

ليس سرّا أن حكومة تمام سلام تتمتع بميزة كونها تأتي بعد حكومة فاشلة شكّلها «حزب الله» بقوة السلاح ووضع على رأسها شخصية سنّية هي الرئيس نجيب ميقاتي. هذه ميّزة مهمّة، خصوصا اذا أخذنا في الاعتبار النقلة النوعية التي شكلّها الخطاب الاستقلالي لوزير الداخلية نهاد المشنوق في دورة مجلس وزراء الداخلية العرب التي انعقدت أخيرا في مراكش.

صحيح أن ليس صعبا على أي حكومة لبنانية أن تكون أفضل من حكومة «حزب الله»، لكن الصحيح أيضا أنّ من الصعب على الحكومة، أي حكومة في بلد لا يزال فيه حزب مسلّح، تنفيذ المطلوب منها. والمطلوب أوّلا انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته في الخامس والعشرين من أيّار- مايو المقبل.

لا شكّ أن اللبنانيين عملوا كلّ ما في استطاعتهم من أجل اسقاط حكومة «حزب الله» التي ارادت ربط البلد نهائيا بالمحور الايراني- السوري. نجحوا في تشكيل حكومة جديدة تستجيب جزئيا لطموحاتهم في التحرّر والسيادة والاستقلال والنأي بالنفس عن عملية ذبح الشعب السوري. لا شكّ أيضا أن الطريق أمام هذه الحكومة لن تكون سهلة. الثابت أن الكثير سيتوقف على السلوك الايراني. هل تسمح ايران بانتخاب رئيس جديد للجمهورية…أم تعتقد أن كلّ الهدف من وجود «حزب الله» في حكومة «ربط نزاع» هو تغطية مشاركته في الحرب السورية بناء على رغبتها في ذلك؟ تبدو الحكومة اللبنانية الجديدة بمثابة امتحان لما اذا كانت ايران قادرة على تغيير سلوكها، أي أن تكون دولة طبيعية في المنطقة وليس مجرّد قوّة اقليمية لديها وهم القدرة على التدخل في شؤون كلّ دولة عربية مستخدمة الغرائز المذهبية. يكفي لايران أن تسمح للبنانيين بانتخاب رئيس جديد لهم يتمع بحدّ أدنى من القبول من الاكثريتين المسيحية والمسلمة كي يصبح في الامكان القول ان شيئا ما تغيّر نحو الافضل في طهران…وإن رهانها الأول والأخير لم يعد على الفراغ في لبنان وعلى تغيير النظام فيه من المناصفة الى المثالثة. أسابيع فقط تفصل ايران عن الامتحان الذي سيظهر هل استوعبت أن الغرائز المذهبية لا تصنع قوى اقليمية…

السابق
الشوفان يحمي من السرطان وأمراض القلب
التالي
رئيسة دير معلولا:«ضابط لبناني» طلب مني شكر الأسد وأمير قطر