الرئاسة العراقية وإشكاليّة التمذهب

هل تكون خطوة إعادة رئاسة دولة العراق الى العرب السنّة مخرجاً لانتشال الطائفة السنية من إحباط أصابها عقب سقوط نظام صدام حسين العام 2003؟ وهو إحباط يشابه الإحباط الماروني الذي أعقب اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية.
التخفيف من حدة الشعور السني بالإحباط قد ينعكس بالإيجاب على الملف الأمني العراقي، الذي لم تنفد صفحاته اليومية الدموية حتى الآن.
ولكن ما من مؤشر يؤكد حتى الآن صحة الأنباء التي تتحدث عن مقايضة أُبرمت بين رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، ورئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، يصل بموجبها الأخير الى رئاسة العراق، فيما يترأس كرديُّ البرلمان العراقي.

بعد العام 2003، سار العراقيون، بعُرف أشبه بالعُرف اللبناني، ويقضي بأن يتولى كردي منصب الرئاسة، فيما أعطي للعرب السنة رئاسة البرلمان على أن يتسلّم الشيعة رئاسة الوزراء.
ولعل تمسك الكرد برئاسة الدولة ووزارة الخارجية، كان بهدف رسم صورة خارجية أمام الرأي العام العربي والدولي وهو أن العراق دولة متنوعة تجمع فيها العرب والأشور والكرد.
لكن على مدى عقد من الزمن وبفعل سياسة الاجتثاث والإقصاء تحوّل العرب السنّة من أكثرية عربية إلى أقلية طائفية تطالب بحق وجودها على الساحة العراقية وفي المناصب كافة.

عودة البعث
لم يعد انتماء أسامة النجيفي الفكري مشكلة أو عائقاً أمام توليه منصب الرئاسة، فالعراقيون كافة يرون في القائمة العراقية التي يرأسها رئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي، بأنها القائمة البعثية التي دعمتها دول عربية مجاورة وعلى رأسها المملكة السعودية.
والقائمة العراقية هي القائمة التي كان النجيفي عضواً فيها قبل أن ينشقّ عنها ليؤلف «قائمة متحدون» المستقلة عن علاوي ورئيس المجلس الوطني للحوار صالح المطلك.

ومنذ ترأس أسامة النجيفي البرلمان العراقي انتهج سياسة كان فيها الخصم المقارع لرئيس الوزراء المالكي، فهو يخالفه في ملفات عديدة كتحفظه على العملية العسكرية الأخيرة في الأنبار. كما لا يوافقه على سياسته تجاه إقليم كردستان. ومن جملة الخلافات بين الرجلين قضية النائب العراقي السني أحمد العلواني، المعتقل لدى السلطات في قضية تتعلق بالإرهاب.
تعرّف العراقيون على النجيفي حين تم تعيينه وزيراً للصناعة في حكومة إبراهيم الجعفري، ولمع نجمه حين عارض التوجه الكردي في ضم أراضي سهل نينوى؛ يومها لاقت تصريحات النجيفي استياءً كردياً واسعاً وخرج الكرد في تظاهرات ضده في أرجاء الإقليم.

مواقف النجيفي هذه عززت مكانته لدى أهل الموصل وأكسبته قوة استخدمها في انتخابات مجالس المحافظات في العام 2009، والتي حققت فيها قائمة أخيه أثيل النجيفي، فوزاً كاسحاً قام الأخير على أثره بتشكيل حكومة محلية مستبعداً فيها الأعضاء المحسوبين على الأحزاب الكردية المتحالفة في ما بينها.
في انتخابات العام 2010 أثبت أسامة النجيفي قوته في الموصل ونينوى مرة أخرى بفوزه بتسعين في المئة من المقاعد في نينوى على اعتباره الرجل القوي الذي يقف بوجه الكرد وطموحاتهم.
وفي الآونة الآخيرة أظهر رئيس البرلمان العراقي مرونة تجاه المكون الكردي على اعتبار «خصم خصمي صديقي» فانفتح على أربيل وزار رئيس الإقليم مسعود البرزاني مرات عدة.
وبالرغم من هذا الانفتاح لا تزال قوى كردية عدة تتوجس من النجيفي وترى في سيرته تجاه الكرد، سبباً رئيساً في معارضته ترؤس البلاد وخاصة لكونه من أبرز المعارضين للمادة 140 التي تُعتبر أحد الحلول لمسألة كركوك المتنازع عليها.

البزاز و«المحور العربي»

وإذا ما كانت الرئاسة العراقية ستؤول في النهاية الى العرب السنّة، فإن العديد من المراقبين للمشهد العراقي يرون أن الرئيس الجديد سيكون من مكوّن عراقي لا يمتّ بصلة الى القوى المتنازعة اليوم.
وفي هذا الإطار فإن القائمة التي أسسها الإعلامي سعد البزاز، يعتقد البعض أنها قد تكون الأوفر حظاً كي يخرج منها الرئيس العراقي الجديد في حال لم يخضع منصب الرئاسة للمحاصصة أو الاتفاقات كما جرت العادة؛ فتجربة علاوي الفائز الخاسر أكبر مثال على ذلك.
وكان البزاز، رئيس «مجموعة الشرقية الإعلامية» التي تملك قنوات الشرقية وصحيفة «الزمان» اليومية، قد عمل في الشهور الأخيرة على جمع السنّة العرب في قائمة واحدة وإعادة لملمة القائمة العراقية بعدما تشظى كيانها إلى فصائل متعددة.
لكن على ما يبدو فإن الكرد ما زالوا متمسكين بتمثيل وجه الدولة العراقية، حيث يعتبر ذلك مطلباً من الأفرقاء الكرد كافة.
وعلى غرار ذلك لا يعتبر البرزاني صاحب القرار الوحيد في التخلي عن منصب رئاسة دولة أو المقايضة به، بل يحتاج في قراره الى اتفاق تتشارك فيه القوى الكردية كافة.
وفي هذا السياق يمكننا القول إن الرئاسة العراقية اليوم مطروحة للتفاوض بين السنّة العرب والسنّة الكرد.

السابق
مواطنة تلقي بنفسها في صيدا
التالي
توقيف 3 أشخاص بحي السلم بحوزتهم كمية من الحشيشة والهيرويين