أردوغان يفقد مصداقيته والشاهد السيد تويتر

اردوغان

إكتسب رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية في السنوات الأربع الماضية شعبية كبيرة في الشارع العربي، أوصلته تقريبا لأن يكون البطل الجماهيري المحبوب متمنيا بعض العرب لو يصبح أردوغان رئيسا عربيا، والبعض الآخر متمنيا عودة الخلافة العثمانية برئاسة الخليفة العثماني الجديد أردوغان. وقد بدأت هذه الشعبية الجماهيرية الأردوغانية منذ حادث السفينة التركية “مرمرة” التي كانت متوجهة لقطاع غزة في الحادي والثلاثين من مايو 2010 ، ورفضت البحرية الإسرائيلية توجهها للقطاع وبعد استمرار السفينة في الإبحار نحو القطاع ضمن ما أطلق عليه (أسطول الحرية) قامت البحرية الإسرائيلية باقتحام السفينة موقعة على الأقل تسعة قتلى من المواطنين الأتراك ثم اقتادتها للموانىء الإسرائيلية رافضة أن تتوجه للقطاع ثم أبحرت عائدة إلى تركيا.

أعقب هذا تهديدات وخطابات أردوغانية متوعدة دولة إسرائيل بالويل والثبور، رغم أنّ الطلبات التركية الدبلوماسية الرسمية كانت لا تتعدى أن تعتذر إسرائيل عمّا حدث وتقوم بدفع تعويضات لأهالي الضحايا الأتراك. تجاهلت إسرائيل الطلب التركي لأنّها تدرك تماما أنّ التهديدات الأردوغانية لن ترقى لسحب السفراء أو قطع العلاقات الدبلوماسية القائمة بين البلدين منذ مارس 1949 حيث كانت تركيا ثاني دولة إسلامية بعد إيران تعترف بقيام دولة إسرائيل. وهدّد أردوغان بعد اقتحام سفينة مرمرة بأنّه في المرات القادمة سوف ترافق البحرية التركية السفن التركية المتوجهة لقطاع غزة لتأمين وصولها في مواجهة البحرية الإسرائيلية، ورغم هذا التهديد لم تقم تركيا أردوغان بأية محاولة جديدة.

وعادت العلاقات التركية الإسرائيلية إلى مجراها الطبيعي في كافة الميادين بعد اعتذار بنيامين نتينياهو لأردوغان خلال مكالمة هاتفية معترفا بحصول أخطاء عملية في حادث اقتحام السفينة متعهدا بدفع تعويضات لأسر الضحايا، وانتهت الزوبعة لأنّ العلاقات بين الدولتين عميقة منذ ما يزيد على ستين عاما خاصة في ميدان التعاون العسكري حيث هناك مناورات دورية عسكرية مشتركة، وإسرائيل أكبر مورد للأسلحة للقوات التركية من كافة الأنواع وعلاقات تجارية واسعة بالمليارات.
أردوغان مع ربيع عربي وخريف تركي!!
ومع اندلاع ما أطلق عليه “الربيع العربي” منذ قرابة ثلاثة أعوام ازدادت شعبية اردوغان عربيا، بسبب دعمه الخطابي لهذا الربيع خاصة لما جرى في مصر بين حكومة الإخوان المسلمين برئاسة الرئيس محمد مرسي والقوات المسلحة التي قامت بعزل الرئيس المنتخب شرعيا، ورفض أردوغان لإنقلاب القوات المسلحة ضد الرئيس الشرعي، ورفعه عدة مرات بأصابعه لما أصبح معروفا ب ” شعار رابعة” نسبة لميدان رابعة العدوية بمصر الجديدة الذي شهد الاعتصام الحاشد لجماعة الإخوان المسلمين تأييدا ودعما للرئيس المنتخب محمد مرسي قبل فضه بالقوة من قبل القوات المسلحة المصرية. وهنا تظهر ازدواجية وتناقضات أردوغان، حيث يمارس نفس فعل القوات المسلحة المصرية مع المتظاهرين الأتراك ضد حكومته منذ يونيو من عام 2013، واستمرت قواته المسلحة وشرطته بقمع التظاهرات التركية الحاشدة في العديد من المدن التركية خاصة العاصمة أنقرة، مستخدمة الغاز المسل للدموع والمياه الساخنة معتقلة مئات من المتظاهرين الأتراك، كما قتل العديد من المواطنين المتظاهرين خاصة في ميدان “تقسيم” بمدينة استانبول، وقد قامت الدبابات التركية العسكرية بدهس متعمد لأكثر من مواطن تركي، مما ادى لمظاهرات عارمة مطالبة علانية برحيل اردوغان وحكومته. فكيف يكون أردوغان مع المتظاهرين العرب واعتصاماتهم المطالبة بالإصلاحات والديمقراطية وفي نفس الوقت ضد المتظاهرين الأتراك المطالبين أيضا بحرية التعبير وديمقراطية حقيقية للجميع؟.

ونفس منطق أسد سوريا فهي مؤامرة كونية،
يتعرض لها نظام أردوغان رغم أنّه أي أردوغان من الداعمين لثورة الشعب السوري، فهو في عرف أسد سوريا جزء من هذه المؤامرة الكونية ضد نظام الممانعة والمقاومة، بينما أهم المشاركين في المؤامرة الكونية ضد أردوغان حسب رأيه هو أهم حلفائه وشركائه السابقين قبل أن يفضّوا الشراكة معه، وهو القيادي التركي المقيم في الولايات المتحدة “محمد فتح الله كولن” الذي كان من أهم داعمي أردوغان وحكومته، خاصة أنّ له حضور واسع في الشارع التركي حيث هو صاحب و مؤسس (حركة الخدمة) التي لها مئات المدارس والمؤسسات الاجتماعية داخل تركيا وخارجها. هذا في الوقت ذاته لا يمكن نسيان أنّ بعض المتخصصين يعتبرون سياسات وممارسات أردوغان وشريكه عبد الله غول ليست سوى النقيض لسياسة وتوجهات أستاذهما السياسي التركي نجم الدين أربكان بما يكاد يصل لمستوى الانقلاب..فكيف يكون هو ضد ما قامت به القوات المسلحة المصرية ضد الرئيس محمد مرسي ويمارس عمليا ما يتناقض كلية مع سياسة أستاذه مؤسس الحركة الإسلامية التركية الجديدة نجم الدين أربكان؟

وأخيرا حجب عمل السيد تويتر!!
ماذا كان سيكون رد فعل أردوغان نفسه لو سبقه قبل أسابيع أو شهور رئيس أو ملك عربي بحجب عمل السيد تويتر؟ لا نقاش حول الإجابة لأنّ أردوغان كان سيخرج بتصريحات نارية ضد هذا الفعل لأنّه مخالف لحرية التعبير والديمقراطية، وها هو اليوم يقوم بنفس الفعل مما يدلّ على أن رئيسا بحجم قوته الظاهرة المؤيدة لحرية التعبير والتظاهر في دول الربيع العربي، يخاف من حرية التعبير في تركيا فيقوم بعمل غير معقول لا يصدر إلا عن ديكتاتور حقيقي..فهل من المفهوم أن أردوغان الذي يبدو للعرب بأنّه بطل الربيع العربي يخاف من تغريدات الشعب التركي على تويتر؟ لو كانت هذه التغريدات منافية لحقيقة ما يعيشه الشعب التركي لمما اقدم على هذا العمل القمعي المخالف لأبسط الحريات. ولكن يبدو أن السحر من قبل الشعب التركي انقلب على الساحر أردوغان، فقد تواصل الشعب التركي مع تويتر بعشرات الطرق التي تغلبت على الحجب الأردوغاني، فتزايدت بنسبة عالية تغريدات الشعب التركي المناوئة لأردوغان وحكومته وممارساته داخل تركيا المتناقضة مع ادعاءاته خارج تركيا الداعمة لحرية الشعوب العربية. وهذا التناقض الأردوغاني أوجد تمردا من قيادات في حزبه ضد قراره التويتري، مثل عمدة أنقرة “مليح غوكجيك” الذي كان أول سياسي من حزب العدالة والتنمية يخرق الحظر، وكذلك نائب رئيس الوزراء “بولنت ارينج”. وأشجع رد جاء من الشعب التركي التواق لحرية حقيقية، إذ خلال ساعات بعد حظر تويتر بلغت تغريدات الشعب على تويتر بعد اختراق المنع حوالي مليونين ونصف تغريدة أو ما يقارب 17 ألف تغريدة في الدقيقة.

ويبقى سؤالان للمصفقين الأردوغانيين من العرب وهما:
1 . لماذا تنسون أنّ حكومة أردوغان مستمرة كالحكومات التركية السابقة منذ عام 1936 في احتلال لواء الإسكندرونة السوري؟ مع العلم أنّه لم يبق أي أثر أو وجود عربي في هذا اللواء بسبب التطهير العرقي الذي مارسته الحكومات التركية طوال الثمانين عاما الماضية، حيث تمّ توزيع سكانه خارج اللواء واحلال سكان أتراك مكانهم مع منعهم من استعمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم. فلماذا احتلال إسرائيل مدان واحتلال تركيا وإيران واسبانيا مسكوت عليه؟.

2 . لماذا تتجاهلون ما يتعرض له السكان الأتراك من القومية الكردية من قمع وتشريد وسجون ومعتقلات، وتعدادهم لا يقلّ عن ثمانية ملاييين داخل الجزء من وطنهم الكردي المحتل من تركيا، ويمنعون أيضا من استعمال لغتهم القومية الكردية، في حين أن الفيدراليات الأوربية والأمريكية مثل سويسرا و كندا تسمح في داخل الدولة الفيدرالية باستعمال أكثر من لغة حسب تاريخ كل قومية. لماذا تعارضون القمع الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وتتجاهلون القمع التركي بحق الشعب الكردي؟ هل الحرية والكرامة يستحقهما شعب ولا يستحقهما شعب آخر؟
ليس تجنيا على أردوغان وحكومته، ولكن بناءا على التفنيدات السابقة فإنّ مواقفه الخطابية الداعمة للربيع العربي مجرد عنتريات بلاغية لكسب رصيد شعبي من شعوب غير الشعب التركي الذي لا يستحق عند أردوغان حتى التغريد عبر تويتر طالما هذا التغريد يكشف أخطاءه وسلبياته وقمعه لحرية وديمقراطية الشعب التركي.

السابق
ثلاثية: سوريا «التجارة» وإيران «العقيدة» وحزب الله «الشهادة»
التالي
ديمي مور مستاءة بسبب حمل ميلا كونيس