قراءة هادئة في خطاب احمد الأسير الاخير

احمد الاسير

ثلاثة مواضيع لبنانية بامتياز حملها فيديو الأسير المعمم أمس الأحد: الجيش اللبناني مع آلياته الأمنية والقضائية، حزب الله، الحريرية السياسية.
الجيش اللبناني
لم تكن دعوة الأسير سنّة لبنان إلى الانشقاق عن الجيش اللبناني موفقة، ولم تكن كذلك دعوته العسكريين إلى الاحتكام إلى علماء الشرع موفقة كذلك. صحيح كلنا نشكو من هذا الجيش، وأنا أنفرد دون كافة اللبنانيين بوصفه بعبارة “عسكر صنين”. لكن غاية هذه الشكوى هي التصويب ودعوته إلى ان يكون الأداة العسكرية الوحيدة في لبنان والذراع القاهر الوحيد بيد الحكومات اللبنانية في مواجهة الخارج، والداخل حين يتفلت بعيدا عن الخيارات السياسية المعبّرة عن الأكثريات اللبنانية باليتها الديمقراطية المؤطرة بروحها الميثاقية اللبنانية.
مشكلة الجيش اللبناني مذ قام بعد الحرب العالمية الأولى إلى اليوم، كانت ولا تزال مشكلة مارونية بامتياز. يحسبه إخواننا الموارنة، كأفراد، على رأسه، أنّه بوابة مرورهم الى ” الفخامة” مع ان الفخامة نفسها لن تصل في لبنان ابدا إلى مستوى “السيّد الرئيس” والتي هزلت حتى كادت ان تقلع في هذه الرجّة العربية الكبرى. كم سببت مشكلة الفخامية هنا مآس لبنانية لكل اللبنانيين. فلا يخفى على أحد منا انسداد افق التفكير عند العسكر عامة بسبب من التربية العسكرية القائمة على الانصياع للرتب الأعلى وخلق مجتمع منغلق على نفسه يحسب نفسه فوق المجتمع وفوق الدولة التي أوجدته، فينزلق نحو الارتزاق، فهو مجتمع مرتزقة “شرعية”. في لبنان، الوقوع أسرى “الغواية الفخاميّة ” ليس بكاف للوصول إلى السيد الرئيس، فتجر العسكرة هنا طائفتها شريكا معها (الحالة العونية)، لتنتهي المسألة باتفاق القاهرة تارة أو بسؤال الخارج تارة ثانية، سواء أكان هذا الخارج غربيا أم عربيا والأسوأ سوريا التي “تخنق” لبنان كما حصل من قبل البعث واثناءه وعلى أمل الا يستمر مستقبلا. فسوريا هي المحيطة بالبر اللبناني. واليوم تنحدر الفخامية القادمة إلى ملاطفة ايران المستحوذة على أحدى اكثريات لبنان.
إن حلّ هذه المشكلة لا يكون الا بفصل الربط بين الجيش ومنصب “الفخامة”. على الموارنة ان يغلب عليهم الوعي البشيري نسبة الى بشير الجميل، أنهم هم على هذه الأرض وجودا وحضورا حتى من قبل قيام الكيان السياسي اللبناني المعاصر. يكفيهم ثقة بأنفسهم انه عندما، فرط هذا الجيش، خرجت منهم ومن اقصى مناطق تهميشهم، قوات لبنانية حفظت حقهم في الوجود والحضور.
أما دعوة الأسير سنّة الجيش الى الخروج منه، فلن تنتهي الا مزيدا من تفتت لبنان مع أنّ مشروع الأسير من خلال خطابه لا يمس الكيان السياسي نفسه، وليس هو من دعاة هرطقة الخلافة أو نظيرها ولي الفقيه. وحتى السؤال الذي طالب به سنّة الجيش كان يتوسل الغبن الواصل الى المظلومية، لا شرعية الكيان اللبناني. لكنه يبقى سؤال أشبه بسؤال عن شرعية امامة المتغلب أو السلطان الجائر، جوابه الشرعي معروف تاريخيا في الفكر السياسي السنّي القائم على تقاسم السيادة وتسيس الدين، ولو ان التقاسم و التسيس أرحم من القمقمة الكلية و تدّين السياسة.
علماؤنا يا مولانا الأسير، غير مؤهلين في هذه المسألة. والفكر الإسلامي السنّي لم يؤصل بعد مفهوم الدولة التعاقدية. ناهيك بانّ أكثريتهم بين أخرق ومخترق. جلهم، أكثر من أمام في مصلّين تنفرط امامته بعد الصلاة، لا ينفع.و الفتوى عندنا يا شيخينا غير ملزمة،فهي سؤال استئناسي بمسالة خاصة. وهذا يا عزيزي ليس من أختراعي ، بل كلام صاحب إعلام الموقعين عن رب العالمين ، إبن الجوزي.
مولانا الأسير، وكلمة مولى حمالة أوجه متناقضة: جلّ “علماؤنا” في الشرع طبعا، من مفتي السلطان المنبطح، وصولاإلى المهاجرالمقاتل، وعلى اتجاهاتهم الفكرية: سلفي لا يعي تبدل الزمان و فقه الاستخلاف ،أو أشعري يجتر كلام ارسطو دون ان يعي اعتزاليته ثم دمجها في اشراقيات سنّيوية أو ثالث افلوطني إدريسي شبه غنوصي قادم من الهند دون ان يدري، يهيم بخرقة خضرة يدور مولويا حول نفسه اوقبر أو مزار نابحا: “هوهو، علم الخرق مقدم على علم الورق”، وفي أحسن سقفه الأعلى، غولن التركي المتنقل بين الأحضان. كل هؤلاء لا يحملون مشروعا قابلا للحياة. صحيح هم ممتازون في التعبئة، لكن التعبئة فقط.
لكن تبقى ما تشكو منه يا أسير وكلنا في هذا أسرى، هو تحالف عسكر صنيين مع قبائل عاملة صحيحا. أجتمع الاثنان علينا وهذا صحيح. وتوحدت عاملة بجناحيها: عاملة على الثورة وعاملة على الدولة، ضدنا وفخخت الدولة ونخرتها من داخلها، لكن الحل يبقى بتصويب الجيش اللبناني ليكون جيشا لبنانيا.
يتبع غدا، فقد طال السهر، وعليّ عملي المفصول عن القراءة والكتابة، فهو المؤمن لي استقلاليتي.
يتبع…

السابق
ضابطان سوريان برتبة عقيد قتلا اليوم في مواجهات كسب
التالي
الابراهيمي استبعد استئناف محادثات جنيف للسلام في سوريا حاليا