ذكورية الرئاسات العربية هل تكسرها امراة كردية؟

تتقدم الدولة العراقية هذه الأيام إلى مشارف انتخابات نيابية، سيتلوها على الأرجح اختيار رئيس جمهورية جديد للبلاد، إذ يعتبر بقاء الرئيس جلال طالباني في منصبه حتى الآن إخلالاً بالدستور.

الرجل يعاني من مرض عضال ويمكث في مستشفى في ألمانيا منذ أكثر من 15 شهراً. وأغلب الظنون داخل العراق وداخل الإقليم الكردي الذي يعود إليه الرئيس، أن زوجته، هيرو إبراهيم أحمد هي التي ربما ستشغل منصب الرئاسة نظراً إلى جدارتها، ولأن منصب رئاسة الجمهورية قد يكون مخصصاً للأكراد مرة أخرى.
والجدير بالذكر أن مقعد رئاسة الجمهورية في العراق الاتحادي مخصص لهذا المكوّن بحسب المحاصصة السياسية التيي جرى تطبيقها بعد سقوط نظام صدام حسين. وقد تكون سابقة أولى من نوعها في تاريخ بلاد الرافدين وجامعة الدول العربية، أن تشغل سيدة سدة حكم العراق.
هيرو، اسم لوردة تنمو في الجبال (الخطمى بالعربية) وأيضاً اسم جبل في شرق مدينة السليمانية المحاذية لإيران. ومدينةة السليمانية كانت ولا تزال معقلاً لحزب الرئيس طالباني (حزب الاتحاد الوطني) أو التيار الذي قاده في الحركة الكردية منذ ستينيات القرن العشرين.
ولكن السيدة هيرو ليست طارئة في عالم السياسة الكردية والعراقية، ولم تكن غائبة عن الأضواء والأجواء منذ العقودد الماضية، بل شقت طريقها وهي صغيرة السن لترافق عائلتها في النضال السياسي، سواء داخل المدن أو في الجبال أثناء الحرب الكردية منذ بداية الستينيات إلى نهاية الثمانينيات في كردستان العراق. تاريخ هذه المرأة يرتبط بتاريخ أبيها إبراهيم أحمد مثل ارتباطه بتاريخ زوجها.
السيدة هيرو، ابنة الشاعر والروائي الكردي المعروف إبراهيم أحمد، الذي بدأ مشواره الأدبي والسياسي في منتصفف ثلاثينيات القرن الماضي، إذ يعتبر من شعراء الأدب الرومانسي باللغة الكردية وكاتباً لأبرز الروايات في الخمسينيات والستينيات.
اشتهرت روايته «زاني كل» أي (أنين الشعب) في الأوساط الأدبية الكردية في العراق وتركيا، ثم ترجمت إلى لغات أجنبيةة منها العربية. وأصدر أحمد الذي توفي في العام 2000 في لندن، مجلة أدبية وثقافية شهرية بين العامين 1939 و1949 وهي مجلة «كلاويز» التي اعتبرت من أزخر الصحف الكردية من حيث الثراء اللغوي والأدبي.
دخل أحمد، وهو رجل قانون، السجون العراقية في العهد الملكي، حيث كان يتبوأ آنذاك موقع أمين سر المكتب السياسيي لـ«الحزب الديموقراطي الكردستاني»، حزب الزعيم الملا مصطفى البرزاني. ثم انشق عنه في منتصف الستينيات وأنشأ تياراً أكثر مدنية في الحركة الكردية.
لم تغب هيرو يوماً في مواكبة المسيرة السياسية لأبيها أو زوجها منذ الخمسينيات إلى يومنا هذا، إذ عاشت في الجبالل الكردية مرافقة للبشمركة (المقاتلون حتى الموت) أو في المنفى الإجباري في أوروبا. وحلت محل مام جلال (الاسم الذي يكنى به جلال طالباني عند الأكراد، ومام بالكردية تعني العم) في قيادة «الاتحاد الوطني الكردستاني» عملياً، بعد غياب مام بسبب مرضه نهاية العام 2012.
ولا تختلف هيرو بفكرها عن زوجها في الانتماء إلى العراق، فهي عاشت مطلع حياتها في بغداد ولم تفرق يوماً بين كرديتهاا وعراقيتها، متباهية بصورة المرأة العراقية المثقفة والناجحة في العمل الثقافي والسياسي.
كذلك، لا يستطيع أحد أن يفاضلها بحياة مقاتلة نظام صدام حسين، فابنة المثقف عاشت في مخيمات المقاتلين البشمركةة نحو 12 عاماً، وكانت الحياة صعبة بين الثلوج ووعورة جبال قنديل بحقيبة تحمل على الظهر.
أما علاقاتها السياسية، فعلى الصعيد الداخلي تتميز هيرو بمرونة طالباني مع جميع القوى الكردية والعراقية، وهي امراةة بسيطة في التعامل اليومي وميدانية حيث تشرف على عملها في موقعه وليس وراء المكاتب البيروقراطية.
بغياب الرئيس طالباني عن الحكم، بات إيجاد البديل أمراً ملحاً في العراق، وربما يكون البديل من المكون الكردي. ولكنن الـ«كاك» (أي الأخ الأكبر) مسعود البرزاني يرفض منصب رئاسة العراق لتمسكه برئاسة الإقليم التي تجعل منه رقماً كردياً إقليمياً باسطاً النفوذ من ديار بكر (جنوب شرقي الأناضول) إلى سنندج (في غرب إيران) والقامشلي (في شمال سوريا)، عدا المكاسب والامتيازات التي يجنيها في رئاسة الإقليم المتمتع بميزانية خاصة وإيرادات نفطية ضخمة.
مع اعتذار البرزاني للأسباب المذكورة، كان لا بد من إيجاد شخصية كردية توازيه تاريخاً ونفوذاً وهي على الأرجح تكون هيروو خان (السيدة هيرو بالكردية) التي إذا تبوأت منصب رئاسة العراق فسوف تكون أول امراة في سدة الحكم عربياً بعدما كان جلال طالباني أول كردي يرأس دولة عضو في جامعة الدول العربية.

(]) باحث لبناني في الشؤون الكردية

السابق
السلطة الفلسطينية جارٌ غير مسؤول
التالي
من هو هلال الاسد؟