الخليج هائج: عداوة بين السعودية وقطَر

السياسة المستقلّة لقطر ودعمُها “الإخوان المسلمين” يُثيران سخط السعوديين، الذين أعلنوا عن “الإخوان المسلمين” تنظيمًا إرهابيًّا ردًّا على ذلك
بعد سنواتٍ من المدّ والجزر، بلغت العلاقات بين دول “مجلس التعاون الخليجي” أسوأ درجة ممكنة. فبسخط متفجّر، أعلنت في 5 آذار كلّ من السعودية، البحرين، والإمارات العربية المتحدة، إعادة سفرائها من الدوحة، عاصمة دولة قطر.

وفي بيانٍ نُشر مطلع هذا الشهر أعلنت البحرين، الإمارات، والسعودية أنّ الخطوة تأتي ردًّا على عدم التزام قطر باتّفاقات لضمان الأمن المشترَك. حسب رأيهم، لم تلتزم قطر بالبند الذي ينصّ على عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة لكلّ واحدة من دول مجلس التعاون، و”عدم دعم كلّ مَن يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظّمات أو أفراد” (يُقصد “الإخوان المسلمون”). فضلًا عن ذلك، واصلت قطر دعم “الإعلام المعادي” (وتُقصَد بذلك قناة “الجزيرة”).

ليس هذا حدثًا موضعيًّا. فمنذ سنوات طويلة، تغرّد قطر خارج سرب السياسة التي ترسمها المملكة العربية السعودية لدول الخليج، ما يخلُق توتّرًا شديدًا بين البلدَين. فما الذي أدّى إلى هذه الخطوة الدراماتيكيّة؟ وكيف يتعلق الأمر بالإعلان السعودي عن “الإخوان المسلمين” تنظيمًا إرهابيًّا يوم الجمعة قبل أسبوعين؟

قطر والسعودية: عقدان من التوتُّر

منذ تأسيسه عام 1981 ردًّا على الثورة الإيرانية والحرب الإيرانية – العراقية، كان مجلس التعاون الخليجي دائمًا تحت سيطرة السعودية. لكن فيما كانت نظرة الرياض إلى معظم القضايا متطابقة مع نظرة المنامة وأبو ظبي، لم يكن الوضع على هذا النحو دائمًا مع قطر.

فالدوحة لم تشعُر بالارتياح تحت النير السعودي، منذ إطاحة الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بوالده في انقلاب داخل القصر عام 1995. مذّاك، بفضل الأموال الوفيرة التي تدّفقت من حقل غاز الشمال / حقل فارس الجنوبيّ (North Dome/South Pars)، الذي هو حقل مشترك بين قطر وإيران، إلى جانب قناة الجزيرة الفضائيّة غير المنضبطة التي تأسست عام 1996، نجحت قطر الصغيرة في نقش اسمها بقوّة على خريطة العالم.

وهكذا ابتدأ النزاع بين الدوحة والرياض، الذي تتجلّى نتائجه في هذه الأيام. منذ تأسيسها، شكّلت “الجزيرة” شوكةً في حلق السعوديين. ولكن ليست الجزيرة وحدها. فوساطة قطر في النزاعات في العالم العربي والإسلامي (الضفة الغربية وغزّة، السودان، وأفغانستان)، استمرار علاقاتها الحسنة بإيران، والتمويل الذي يمنحه القطريون لمجموعات متنافسة من الثوار السوريين – كلّ هذه الأمور تنظر إليها المملكة العربية السعودية كإهانة لها. وبالفعل، لم يكن للرياض سفير في قطر بين عام 2002 و2007. بالنسبة لها وللبحرين وللإمارات العربية، تلعب قطر في ملعب الكبار مع أنّ حجمَها لا يبرّر ذلك.

سعت الرياض إلى تحويل “مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة” إلى نادٍ للملكيّات المحافِظة، حتّى إنها طرحت في مرحلةٍ ما فكرة انضمام المغرب والأردن إلى المجلس. وربّما أملت أن يستهلّ الأمير الجديد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي خلف والدَه في حزيران 2013، صفحة جديدة، ويسلِّم بزعامة الرياض. لكن كما يبدو، ذهبت هذه الآمال مع الرياح. وكانت القشّة التي قصمت أخيرًا ظهر البعير الدعم المستمرّ للدوحة للانتفاضات في الدول العربية، ولا سيّما للإخوان المسلمين في مصر.

وفق مصادر رفيعة المستوى في مجلس التعاون الخليجي اقتبست عنها “ديفينس نيوز” (Defense News)، وافقت قطر في لقاءٍ عُقد في تشرين الثاني المنصرم على كبح الشيخ يوسف القرضاوي، رجُل الإخوان المسلمين، الذي يقدِّم برنامجًا يحظى بشعبيّة كبيرة في قناة الجزيرة، لمنع بثّ “إعلام معادٍ” للدول الخليجية الأعضاء في المجلس، وكذلك وقف دعم “الإخوان المسلمين”. حين لم يحدُث كلّ ذلك، وبدا أنّ قطر لم تلتزم بتعهّدها، حتّى بعد منحها فرصةُ أخرى في اجتماعٍ عُقد في 4 آذار، أدانوا السبب: التحريض غير المباشر ودعم “الإخوان المسلمين”.

منذ بضعة أشهر، بدأ صبر السعودية وحلفائها ينفد. ففي كانون الثاني الماضي، احتجّت الإمارات العربية المتحدة لقطر على تصريحات القرضاوي ضدّها وضدّ السعودية. وكانت الإمارات قد حاكمت عام 2013 أكثر من مئة عضو في “الإخوان المُسلمين” في سلسلة محاكمات، حتّى إنها حكمت في 3 آذار بسبع سنوات من السجن على الطبيب القطري محمود عبد الرحمن الجيدة، بسبب جمعه أموالًا لصالح الحركة. في النهاية، وفي خطوة دراماتيكية يوم الجمعة الماضي (8 آذار)، أعلنت المملكة العربية السعودية أنّ الإخوان المسلمين تنظيم إرهابي.

من جانبها، عبّرت الحكومة القطريّة عن أسفها ودهشتها لهذا القرار، وأعلنت أنها لن تغيّر سياستها الخارجية رغم الضغوط. وقال موظّف سابق لدى الحكومة القطرية لقناة الجزيرة إنّ عددًا من دول مجلس التعاون “يحاول إكراه قطر على انتهاج سياسةٍ ما لا صلة لها بالخليج”، وإنّ المسألة مثار الخلاف هي المشير عبد الفتّاح السيسي في مصر.

وليس هذا خاطئًا بشكل مطلق. ففي السادس من آذار، انضمّت مصر إلى شقيقاتها الخليجيات، وسحبت هي الأخرى سفيرها من الدوحة. وقد كان لديها سبب مقنع لفعل ذلك. فقناة الجزيرة، المدعومة من حكومة قطر، شجّعت الانتفاضات العربية التي تعارضها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها، وبينها تلك التي أطاحت بنظام مُبارك. أنفقت قطر الكثير من المال على مصر في أعقاب انتصار محمد مرسي، الناشط في الإخوان المسلمين، في الانتخابات. فلا عجبَ أنه عند الإطاحة بمُرسي من السلطة في تموز 2013 من قِبل السيسي، جرى اعتقال عددٍ من مُراسِلي الجزيرة واتّهامهم بدعم “الإخوان المسلمين”. وفي النهاية، أكثر ما يزعج السعودية وحلفاءها في قطر هو دعمها “الإخوان المسلمين” المتطرفين المعارضين للملكيّة.

أمّا بالنسبة لقطر، فإنّ الخلاف الأخير جاء في التوقيت الأسوأ على الإطلاق. ففي إطار استعداداتها لاستضافة ألعاب كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 بنفقات تُقدَّر بنحو 200 مليار دولار، التزمت الدوحة بجدول زمنيّ مزدحم لبِناء المنشآت. وأدّت الجهود القطرية إلى تقارير عن ظروف العمل البالغة السوء للعمّال الأجانب العاملين في البناء. وجّه صندوق النقد الدولي ومنظمة “هيومان رايتس واتش” نقدًا لاذعًا جدًّا إلى قطر، وادّعت منظمة حقوق إنسان من النيبال أنّ أكثر من 400 عامل نيبالي لاقَوا حتفهم خلال أعمال البناء. وكأنّ هذا كله لا يكفي، أتت الأزمة الأخيرة المتمثّلة في المعركة مع السعودية وحلفائِها.

مسمار آخر في النعش: هل مجلس التعاون الخليجي أمام خطر الانحلال؟

تأتي هذه التطوّرات الدبلوماسية، بالطبع، على خلفيّة الإحباط الشديد للمملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين من موقف الولايات المتّحدة من البرنامج النووي الإيراني. فدول الخليج تنظر إلى سياسة الولايات المتحدة في الإقليم كإذعان لطموح إيران في الهيمَنة.

يعي الأمريكيون هذه المخاوف، ويردّون على هذا الأساس. فقد زار وزير الدفاع تشاك هاغل الخليج في كانون الأول 2013، وعرض عددًا من المبادرات الجديدة الهادفة إلى تعزيز التعاوُن الدفاعي برئاسة الولايات المتحدة في الإقليم. وشملت هذه الاقتراحات بيع سلاح لمجلس التعاون الخليجي ككتلة واحدة بدلًا من بيعه لكلّ دولة على حِدة، وتطوير منظومة دفاعيّة موحّدة مضادّة للصواريخ لمجلس التعاون الخليجي، مؤسسة على منظومات باتريوت، ومنظومة دفاع إقليمية بارتفاعٍ كبير (‏THAAD‏) مِن صناعة أمريكيّة. بعد ذلك، أجرى زيارة، حظيت بأصداء كبيرة، إلى المركز الأمريكي المشترَك لأعمال الفضاء والفلَك في قطر. فضلًا عن ذلك، يعتزم الرئيس أوباما زيارة المملكة العربية السعودية هذا الشهر في محاولة لطمأنتها وتبديد مخاوفها.

لكن على ضوء العلاقات المتوتّرة في مجلس التعاون، يبدو أنّ التعاوُن الذي تخطّط له الولايات المتحدة لن يُثمر. فحين اقترح السعوديون في 7 كانون الأول أن ينتج مجلس التعاون الخليجي اتّحادًا سياسيًّا، اعترضت عُمان علنًا. لم تتصرّف عُمان، التي تنتهج سياسة خارجية مستقلّة، كجزءٍ من مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة أبدًا. وجرى التعبير عن هذا الموقف بوضوح حين توسّطت سرًّا العام الماضي في المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، من خلف ظهر دول مجلس التعاون الخليجي. وهكذا، بعد بضعة أيّام، أعلن المجلس عن إنشاء قيادة عسكريّة وقوّة شرطة مشتركة، لا عن اتّحاد سياسيّ. ولكنّ أيًّا من هذه المبادرات لا يُتوقَّع تنفيذه على أرض الواقع.

لم يحلِّق مجلس التعاون الخليجي يومًا كمنظَّمة موحَّدة. فهو حتمًا لا يشبه الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي، ولن يكون كذلك يومًا. تشكّل الخطوة الأخيرة للإمارات، البحرين، والسعودية مسمارًا إضافيًّا في نعش هذه المنظّمة التي تحتضر، رغم أنّ مراسم الدفن قد تتأخر بعض الشيء.

 

 

السابق
وحدة المستعربين في الجيش الإسرائيلي
التالي
أوكرانيا: عن حيتان المال والسياسة