أوكرانيا: عن حيتان المال والسياسة

بعد نهاية التظاهرات والاعتصامات في ساحة الاستقلال في كييف، والمعروفة أيضاً باسم الميدان Maidan، أصدر رينات أحمدوف، الرجل الأغنى في البلاد بياناً قال فيه: “نحن نود بناء وطن جديد تسوده الديموقراطية وحكم القانون. وسنعمل على تحقيق ذلك”. وكان أحمدوف، الذي يملك أكثر من 100 شركة يعمل بها أكثر من 300,000 موظف وعامل، واحداً من أقرب المؤيدين للرئيس المعزول يانكوفيتش. بقي أحمدوف في أوكرانيا، ولم يسارع كغيره من كبار الأغنياء إلى حزم حقائبه ومغادرة البلاد. لقد أصبح أحمدوف نصيراً للحكم الجديد.

شكل أحمدوف مع ديمتري فيرتاش، المستثمر الكبير الآخر، قوة سياسية مؤثرة. وكانا يعلمان أن سقوط يانكوفيتش سوف يكون خسارة كبرى لهما. لذا وقفا معاً ضد مطالب المتظاهرين الذين هدفوا للتغيير الجذري. لم ير أحد هذين الرجلين في ميادين الاعتصام، لكن تأثيرهما كان ظاهراً في تصرفات السياسيين ومواقفهم. يملك أحمدوف أكثر من 15 مليار دولار وتضم شركاته مصانع للحديد والصلب وشركات عقارية وبنوكاً وشركات للهاتف الخلوي. وقد اخترق في إحدى المرات جموع المتظاهرين، سائقاً بنفسه سيارته المرسيدس، معلناً جهوزيته للحوار، لكن ناشطي الميدان هاجموا قصره في مدينة “دونتسك” واحتلوه، قائلين إن أي كلمة منه كانت كفيلة بوقف القتل. وأحمدوف متحدر من أسرة كانت تعمل في مناجم الفحم الحجري. وقد بدأ عمله مبتدئاً من الصفر وأصبح من بعد تاجراً للأغذية وحصل على رأس ماله الابتدائي من مبادلة الفحم الحجري بالمواد الغذائية. أما المستثمر الكبير الآخر ديمتري فيرتاش، فقد حصل على أمواله الطائلة بطريقة شبيهة بما فعله أحمدوف. إذ حصل على رأس ماله الابتدائي بواسطة مبادلة الحليب المجفف الأوكراني بالقطن المستورد من أوزبكستان، ثم انتقل إلى المتاجرة بالغاز الطبيعي ومقايضته بالمواد الغذائية. وقد اشترى بعد ذلك مصنعاً للكيماويات، واشترك مع شركة نمساوية في نقل الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية. ويملك فيرتاش اليوم شركات كبرى لتصدير الغاز وشبكة من الفضائيات التلفزيونية، غير أنه يختلف عن أحمدوف. فالأول يعمل مع الشركات الروسية في حين ان الآخر مرتبط بالشركات الأوروبية. وقد اخترق الاتفاق الحقل السياسي، ونظراً إلى الدولة كجهاز تنفيذي مهمته الأولى تسهيل أمورهما التجارية، لزيادة ثرواتهما، وعلى سبيل المثال، كان وزير الاقتصاد في الحكومة السابقة مرتبطاً بأحمدوف، فيما كان نائب رئيس الوزراء مرتبطاً بفيرتاش.
بعد سقوط النظام السابق، وفق الأحداث المعروفة، كان شباب الميدان هم أكبر الخاسرين (كما حدث من قبل في مصر). وقد قامت الأحزاب التقليدية بتوزيع الوزارات على أعضائها بصورة لا تختلف كثيراً عن سابقاتها. وقام الحكام الجدد أيضاً بتغيير بعض القوانين، وإدخال أخرى جديدة بما يتيح لها السيطرة على السياسة الداخلية وتعيد إلى الأذهان أساليب الحكومات السابقة في توزيع الثروة على محاسيبها. وقد اخترقت بوليا تيموشنكو، رئيسة الوزراء الخارجة من السجن، الجموع بموكب من سيارات المرسيدس الجديدة، ما جعلها بعيدة عن روح الميدان، وتدل التطورات على ان الطبقة السياسية لم تغير أساليبها القديمة، وهي ماضية في إقامة نظام حكم فاسد جديد.

السابق
الخليج هائج: عداوة بين السعودية وقطَر
التالي
مؤتمر’التعددية الدينية’: دعوة لحوار بين النجف والأزهر