محاولة وصل ضفتين لبنانيتين… بصوت نازي

عرسال

قالت لي مايا، السورية المقيمة قسراً وزجراً في بيروت، إنه في اليوم الذي كان أنصار «حزب الله» يسيّرون مواكب «النصر في يبرود» عابرين شارع الحمرا (قلب بيروت المسلمة)، كان الوزير العوني السابق نيكولا صحناوي ومساعده زياد عبس يعقدان مؤتمراً صحافياً في الأشرفية (قلب بيروت المسيحية)، يُعلنان فيه ضيقهما وضيق التيار الذي يُمثلان بالوجود السوري الكثيف في منطقتيهما، ويكشفان خُطة لـ «مكافحته والحد منه».
قالت مايا: «حزب الله» طردنا من بلدنا، وحلفاؤه في بيروت أعلنوا ضيقهم بوجودنا. واقترحَتْ ممازحةً أن يُشكل الصحناوي وفداً من الأشرفية لزيارة «حزب الله» ومطالبته بإعادة السوريين الى بلدهم، فعندها تنفرج الأسارير العونية وتعود الأشرفية الى نقائها.
والمفارقة، وإن كانت غير ذات قيمة، تتمثل في أن المحتفلين بـ «النصر الإلهي الجديد» في شارع الحمرا، وعاقدي المؤتمر الصحافي في الأشرفية، هم ممن لم يُسعفهم الحظ في انتخابات بيروت. وإذا كانت المدينة مسرحاً لرقصهم الدموي والعنصري، فهذا بدوره ناجم عن احتلال موازٍ، وإن كان أقل دموية، لاحتلال يبرود. ولعل المسافة التي تفصل بين مسرحي مواكب النصر والمؤتمر الصحافي العنصري الرث، والمتمثلة بجسر الرينغ، تمت الاستعاضة عنها بصفحة على «فايسبوك» أنشأها مناصرون لمزاجي النصر والرثاثة، وأُطلق عليها «الحملة الوطنية الشعبية ضد الوجود السوري في لبنان». هكذا هي الرغبة في وصل ضفتي بيروت، أي الأشرفية والحمرا، على نحو واضح وجلي، بصوت نازي مجلجل لا يقبل اللبس، أصحابه يكشفون وجوههم ويترشحون للانتخابات، ويصفعون وجوه العابرين بأغنية «احسم نصرك في يبرود».
والحال أن المؤتمر الصحافي لصحناوي وعبس، هو افتعال بالمطلق، ولا مكان له في القضية التي يُمثلها وجود السوريين القسري في بيروت. فالأشرفية التي يدّعيان أنهما يتكلمان باسمها ولم تنتخبهما، أقل مناطق بيروت تأثراً بقضية اللاجئين، بل إن للكثير من أشكال وجود السوريين فيها ارتدادات ايجابية. ففي ظل الوضع الاقتصادي المقفل بالكامل في لبنان، وصلت الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا، والأغنياء السوريون، الى الأشرفية وأنعشوا أسواقها، ويبلغ اليوم إيجار منزل من غرفة واحدة في هذه المنطقة ما لم يبلغه في أي يوم. وهذا في ظل تقهقر السياحة الى مستويات غير مسبوقة، وحال الإفلاس التي يعانيها معظم المؤسسات التجارية اللبنانية. ثم إن إشارة صحناوي وعبس إلى العمال السوريين المنتشرين في ورش البناء في منطقة الأشرفية، بصفتهم «عبئاً أمنياً»، تمييز فيه محاولة لتبرئة السوريين غير العمال، تنطوي على حقد أين منه رثاثة الخطاب العنصري. فالعمال المُشار إليهم هم مَنْ يتولى أعمال البناء يا صحناوي ويا عبس، وأصحاب الورش من أبناء الأشرفية هم مَنْ استقدمهم، والإقامة في الورش مع أطفالهم وعائلاتهم نعمة لا كَرَم فيها أيها الوزير الفرنكوفوني الشاب.
إنها العنصرية العارية من أي ادّعاء. العنصرية وقد استحضرت في يوم «تحرير حزب الله» يبرود. وربما حصل ذلك مصادفة، والأرجح أنها مصادفة، لكن المصادفة تحمل ما هو أثقل مما لو كان مخططاً له أن يحصل، فكيفما جلت في بيروت ستقع على ضحية سوري. أليس هذا ما حصل؟ أن يُلاقي صوت الصحناوي المنبعث من الأشرفية صوت علي بركات المنبعث من شارع الحمرا صادحاً بأغنية «احسم نصرك في يبرود». المصادفة هنا أقسى من أن تكون الواقعة مقررة، إذ إنها تكشف أمراً عادياً وغير متعمد.
وتحالف الغطرسة مع العنصرية في ذلك اليوم جاء تتويجاً لتحالف «عضوي» أقلوي يُقدم الغريزة الأولى والهوية الأولى على أي اعتبار آخر. فـ «حزب الله» وحلفاؤه من يساريين وعروبيين صمتوا على الخطاب العنصري العوني، لقاء إعفاء «الوجدان الاستقلالي» العوني الحزبَ من أي التزام بـ «الاستقلال» المُهدد بالمشاركة في القتال في بلد مجاور. وفي كلا الحالين يتكشف الادعاءان (اليساري والاستقلالي) عن مضامين ليست أكثر من غرائز طائفية أولى، لا تبعد خطوة واحدة من وجدان الأجداد وأجداد الأجداد.
والحال أن سؤالاً راود اللبنانيين في ذلك النهار، والسوريين أيضاً، يتمثل في قناعتهم بأن «حزب الله» انما يُحاول التكتم عن حجم مشاركته في القتال في سورية، وأنه يدفن قتلاه بصمت، وأن ارتداد القتال في سورية عليه في لبنان كبير، فلماذا إذاً قرر الاحتفال بـ «النصر في يبرود» مع ما يخلّفه هذا الاحتفال من احتقان مولّد لانتحاريين جدد في الضاحية الجنوبية وغيرها من مناطق نفوذه؟ والجواب الوحيد تمثل في حاجة الحزب الى نصر، والى صورة نصر، اذ إن معادلة النصر هي ما يحكم علاقته بجمهوره وبقواعده وبنفوذه. أما الأثمان الأهلية لهذا الاحتفال فأقل مما سيدفعه الحزب لو تكتم على «نصره» على نحو ما يتكتم على جنازات عناصره هناك. وهو باحتفاله بـ «النصر» هناك في يبرود، يُعلن نصره هنا في بيروت. نصره على اللبنانيين من غير مؤيدي مشاركته في الحرب السورية.
أما سبب عقد نيكولا صحناوي العوني مؤتمره الصحافي، فهو ينتمي الى هذا النوع من الأسباب. فهو خرج من الحكومة وبدأ حملة انتخابية مبكرة. الغرائز الأولى في لبنان تتقدم على أية قيمة، وأحياناً تتقدم على المصالح المباشرة. فهو استحضر «الوجود السوري» لعلمه أنه عبارة أثيرة في وجدان أهل الأشرفية، ذاك أنها مستمدة من القاموس السياسي السلبي الذي كان سائداً إبان احتلال جيش النظام السوري بيروت، متناسياً أن ذاك الاحتلال هو نفسه ما تسبَّب بمأساة السوريين اللاجئين الى الأشرفية.
والمفارقة هنا أن أول مَن ردّ على كلام صحناوي، هو النائب نديم الجميل، نجل بشير الجميل مبتكر عبارة «الاحتلال السوري في لبنان».
فيا مايا، وبما أنك لست حسناء لبنانية، فالمسألة لا تتعدى أن تكون صغائر محلية، وهي صغائر يمكنها أن تأخذ بطريقها ضحايا سوريين، بعد أن أخذت آلافاً من اللبنانيين.

السابق
المبعوث الأميركي الجديد: واهم من يؤمن بالحل العسكري… ولن نقبل بقاء الأسد
التالي
إصابات بإشتباكات مسلحة في المدينة الرياضية