كنيسة المخلّص الأثرية: أثرٌ بعد عين

كنيسة المخلّص في الصالحية
كنيسة المخلّص الأثرية ولدت في القرن 17. جرى تدميرها عام 1985، وبعد عام 1991 وعودة أهالي الصالحية إليها، حاول بعض من الكنيسة تشييد بناء مكانها لاستخدامه مسكناً، لكنّ لجنة وقف البلدة رفضت الأمر، وما زال المكان كما هو، بقايا حجارة الكنيسة يعلوها عشب أخضر ولوحة تخبر عن نية لإعادة بنائها. "جنوبية" تروي قصّة الكنيسة وأهلها منذ القرن 17.

عند مدخل بلدة الصالحية، ترتفع لوحة تشير إلى مكان كنيسة المخلّص الأثرية التي تحولت إلى أثر بعد عين، منذ 30 عاماً، حين دمرت الكنيسة معارك شرق صيدا عام 1985 ونزح أهالي الصالحية عنها.

القصة بدأت منذ زمن بعيد، في أواخر القرن 16 وأوائل القرن 17. استقدم الإقطاع الدرزي مالك الأراضي الممتدة ما بين صيدا وجزين عائلات مسيحية وأسكنها على هذا الخط لتشكل حاجزاً بين الدروز والشيعة. ويقال إنّه أطلق عليها اسم الصالحية لأن عائلات من صالحية الشام استوطنتها.

كانت أراضي البلدة مملوكة من الإقطاع ومن دير المخلص الذي حصل على أراضٍ كثيرة في المنطقة كمنحة من آل معن آنذاك.

يقول رئيس البلدية السابق المهندس ديب متري في حديث لـ”جنوبية”: “كان رجال الصالحية يرافقون غلالهم إلى مصر ليعودوا بليرات الذهب، حتى استطاع كلّ منهم شراء حصة الاقطاعيين من الأرض، في حين رفض دير المخلص بيع الأراضي لأهل الصالحية، ما دفع وكيل الدير وخوري البلدة الأب مخايل كساب بتحريض الأهالي ضد ديره وقادهم بانقلاب على الكنيسة وتحوّلوا من روم كاثوليك إلى روم أرثوذكس عام 1840”.

ويضيف: “بعدها توجّه الخوري المذكور مع طنوس توما إلى حوران وجمعا مالاً وفيراً لبناء كنيسة خاصة بالروم الأرثوذكس. كان الأهالي متحمّسون لبناء الكنيسة الجديدة، فاشتروا قطعة أرض كبيرة غربي البلدة تتبع عقارياً لبلدة مجدليون، وشارك أهالي البلدة رجالاً ونساءً في نقل أحجار الكنيسة وعمذرها بناؤون من بلدة الشوير المتنية”.

يضحك متري ملء شدقيه ويزيد: “بعد سنوات، صار للبلدة كنيستان، كنيسة مار يوحنا المعمدان، تابعة لوقف الروم الكاثوليك، وكنيسة المخلص التابعة للروم الأرثوذكس”.

بعد وفاة الخوري كساب، عيّن كاهن جديد هو الأب مخايل دندن الذي سعى والمطران قيومجي إلى مصالحة الأهالي مع دير المخلص، وعادوا إلى الكثلكة. ونشطت حملة كبرى لشراء حصة دير المخلص من أراضي البلدة. وتألّفت لجنة تضم ممثلين عن العائلات العشرة الكبرى لمفاوضة دير المخلص، واتمت عملية شراء الأراضي، وفي عام 1875 كانت كل الأراضي ملكاً تاماً للأهالي، وعادوا إلى الصلاة في كنيسة مار يوحنا المعمدان التي جرى توسيعها وتطويرها.

من جهة أخرى صارت كنيسة المخلص ملكاً لوقف طائفة لا وجود لها في البلدة. فقرّرت مطرانية الروم الأرثوذكس بيعها إلى رشيد جنبلاط، ما دفع بخوري البلدة يوسف دندن إلى لتوجه صوب مطران الروم الأرثوذكس أبو رجيلي وطلب إليه عدم بيع الكنيسة “لأنّ أهالي البلدة لن يسمحوا بذلك”، وأبدى الاستعداد لشرائها. اقتنع المطران، ولكن: من أين يأتي الخوري دندن بالمال؟

يوضح متري الأمر قائلاً: “اتصل دندن بالأب انياس حداد. وهو كاهن مقتدر وذو نفوذ وعلاقات وطيدة مع السلطات، فتبرّع الأخير بمبلغ 7500 ليرة لبناني دفعت للمطرانية ثمناً للكنيسة والعقار المحيط بها وكان ذلك عام 1945 وصارت الكنيسة ملكا لوقف الكاثوليك”.

إلا أنّ أحداً لم يستعملها منذ ذلك الحين وجرى تدميرها عام 1985، وبعد عام 1991 وعودة أهالي الصالحية إليها، حاول بعض من الكنيسة تشييد بناء مكانها لاستخدامه مسكناً، لكنّ لجنة وقف البلدة رفضت الأمر، وما زال المكان كما هو، بقايا حجارة الكنيسة يعلوها عشب أخضر ولوحة تخبر عن نية لإعادة بنائها.

السابق
الدين بين المحبّة والكراهية
التالي
نهر حبّوش.. ثروة ضائعة