أمي المُعذَّبة برحيل أخي كيف أُعيّدها؟

عيد الأم

لستُ ممن يترقّبون المناسبات للكتابة عنها، أو ممن تشكل لهم الأعياد فسحةً لعلاقةٍ مع الناس. نتعلّمُ منذ الصغر أنّ عيد الأم يحلّ في 21 آذار، وأنّه الربيع وتفتّح الزهر وفرح الطبيعة. طالما رحتُ أمقتُ أي تحضير لمناسبة وأي رابط لي بها. نشاطٌ فُجائي يطرأ على الكائنات المُتعبة من البرد ومنها نحنُ، وبعده تعود الأيام عادية يُحسَد مَن يُخلّصها من الضجر.
أستثني هذه السنة أنّ عيد الأم مناسبة للتفكير بهدية هي غالباً من أدوات المطبخ لأنّنا نحملُ أمهاتنا في صورة المُضحيات المنزليات. أستثني أنّ “الواجب” يقضي أنْ تشعر الأم بالاحتضان الأُسري، وأشاءُ النظر اليها من حيث أنا، في السرير أبكي من دون جرأة على الاقتراب منها وممارسة “طقس” المواساة. منذ رحيل أخي وهي تُشاركني وشقيقتي النوم في مساحاتنا الضيّقة. يُمسي الليل لذرف الدمع والتلوّع، لأن مَن يرحلون يحملون وإياهم روتين أيامنا. يخربطوننا كأننا زجاج داسته دواليب آلة، إنكِ يا أمي في عيدكِ ترتدين الأسود مثل كثيرات يبكين الطفولة الآن. إنْ عيّدناكِ بهدية أو قالب حلوى ستصرخين رافضةً تفاهتنا ورغبتنا بأن نُطيِّب الجرح ونُكمِلَ، فيما حبيبكِ جرحُكِ ينمو فيكِ ولا تُريدين الشفاء.
كنتُ أحارُ يا أمي ماذا أحضِّر في عيدكِ عساه يجعلكِ تطمئنين الى أنّك لم تُنجبي أولاداً سِمتهم اللاإكتراث. آذار هذه السنة لم يحملني إلا على الحاجة الى النسيان. أطلَّ علينا بحزنٍ مُتجاهلاً أّنه شهر الأرض وشهركِ وشهر الأطفال. أمي، عيدُك نُمضيه الليلة هناك. لن يكون الزهرُ لكِ وحدكِ ولا الشمع. لا حلوى نستطيبها منذ أن باتت ترمزُ الى الاحتفال. نجتمعُ بالقرب منه هو النائم مثل طفل بجوار غابةٍ من الأطفال. وإنْ قبّلناكِ تبكين أكثر، إذ تفتقدين قُبله. ثم ماذا نفعل؟ أريدكِ من أجلنا نحن أولادك الخمسة (أحقاً أصبحنا خمسة؟!) ألا يأخذكِ الفقد الى الانتهاء. لم أقل لكِ أنني بدأتُ أخشى على صحتك من آلام الفراق، وإنني لا أقوى على تحمّل أنّ جسدكِ قد يتعذّب كما هي روحكِ اليوم. أعرفُ معنى كون الصفع موجعاً والصافع يُلزمنا الصمت. نبكي من عمق السرير يا أمي. مختبئات لئلا يرانا أحد نقترف جريمة الشوق.

السابق
حبس زوجته لاستمرارها في الغناء
التالي
العسل لمكافحة البكتيريا